
ذلك اليوم المشؤوم
فهد الخيطان
حرير- لم يكن ذلك يوما وانقضى، إنما هو عنوان لمرحلة طويلة من المواجهة المفتوحة مع قوى الإرهاب.
يوم أن أقدم بضعة إرهابيين وافدين من العراق، قبل عشرين عاما، على ارتكاب أفظع عمل إرهابي في تاريخ الأردن، طال مئات الأبرياء في ثلاثة فنادق، سقطوا بين شهيد وجريح.
في ذلك التاريخ الذي صادفت ذكراه بالأمس، انتهت مرحلة الدفاع في مواجهة الجماعات الإرهابية، وانتقل الأردن رسميا إلى مرحلة الهجوم الاستباقي الخارجي، لملاحقة تلك الجماعات والقصاص منها.
وحتى ذلك الوقت لم يكن أحد ليعلم ماذا يخبئ القدر لبلدنا وللمنطقة، بل وللعالم من أخطار، ستتوسع لاحقا لتشمل دولا عديدة في الشرق الأوسط، وتمتد لتضرب في أعماق الغرب.
المواجهة التي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر، غيرت وجه التاريخ، حرب خاطفة على أفغانستان، ثم احتلال أميركي للعراق، أطلق شرارة الطائفية والحرب الأهلية بكل ويلاتها.
كان يمكن لبلد بقدرات الأردن الاستخباراتية المشهودة أن يتعامل مع ملف الإرهاب في العراق، وقد حقق على هذا الصعيد إنجازات مشهودة بعد تفجيرات الفنادق، خلصت إلى الوصول إلى مدبر ذلك الهجوم، أبو مصعب الزرقاوي والقضاء عليه.
لكن جبهة كبيرة انفتحت في وجه الجماعات الإرهابية، كانت بمثابة ساحة لا مثيل لها.
سورية تدخل عهد الفوضى تحت ستار ثورات الربيع العربي، فغدت مرتعا للجماعات الإرهابية الأكثر وحشية في التاريخ الحديث.
دول وجماعات، لم تبخل في إنفاق الملايين ورعاية الإرهابيين.
بعد أقل من عقد كان لتنظيم داعش الإرهابي دولة على حدودنا الشرقية والشمالية، تفيض مساحتها عن مساحة الأردن، وتحوز على قدرات عسكرية واستخبارية كبيرة.
لم تعد مواجهتنا حرب استخبارات وعمليات فقط، بل عسكرية بامتياز، استخدمت فيها الأسلحة كافة، وتطلبت تحالفا دوليا واسعا لحسمها.
الآلاف من الأردنيين التحقوا بهذه الجماعات، والعشرات في الداخل انتظموا في صفوفها.
أتباع متعطشون للقتل والموت. فكانت مجموعة من العمليات الإرهابية التي خلفت شهداء في الكرك وإربد والبقعة.
لكن في مقابل ذلك، تمكنت المؤسسة الأمنية من إحباط مئات الهجمات في الأردن، واجتثاث عشرات الخلايا التي كانت تخطط لتنفيذ عمليات قاتلة تستهدف مواقع مدنية وسياحية ورسمية.
لقد كنا بالفعل نخوض حرباً كبرى داخلياً وخارجياً، فليس ثمة فرصة للفوز فيها دون ملاحقة الإرهابيين في كل مكان، وبناء شبكة واسعة من التحالفات الدولية لتتبعهم.
ومع مرور الوقت واشتداد الصراعات الأهلية والطائفية في بلدان الجوار، تنوعت هوية الجماعات الإرهابية وتلونت بألوان الطيف الطائفي، ومصالح الدول الراعية على طرفي الصراع.
لقد تصدت المؤسسة الأمنية لواحدة من أخطر التحديات الوجودية التي واجهت الأردن في تلك المرحلة، وتطلب خوضها استعدادات وقدرات وتضحيات.
صحيح أن الموجة الأقوى من هذه العاصفة قد انقضت، لكن خطر عودة نشاط هذه الجماعات ما يزال قائماً ما دامت البيئات الحاضنة لها متوفرة.
حالة السلم الأهلي والاستقرار من حولنا ما تزال هشة وقابلة للانهيار في أي وقت.
وبقايا هذه الجماعات ما تزال تتحرك في العراق وسورية، وتسعى جاهدة لإعادة بناء قدراتها وتنظيم صفوفها من جديد.
يدرك الأردن هذه الحقيقة، ولهذا ما تزال المؤسسات الأمنية والعسكرية المعنية في المواجهة في حالة تأهب دائمة، حتى لا يتكرر ذلك اليوم المشؤوم.



