رادار مالي ذكي

سلامة الدرعاوي

حرير- التقارير الائتمانية أصبحت أشبه بـ”رادار مالي ذكي” يرصد المخاطر قبل أن تتحول إلى أزمات، فهذا الرادار لا يقتصر على البنوك أو مؤسسات التمويل فحسب، بل يمتد أثره إلى مختلف القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها شركات التأمين التي تواجه تحديات متزايدة في إدارة المخاطر والحد من المطالبات المفتعلة.

أهمية التقارير الائتمانية تكمن في كونها أداة تحليلية تمنح الشركات قدرة غير مسبوقة على فهم السلوك المالي لعملائها، واتخاذ قرارات مبنية على مؤشرات كمية دقيقة لا على الانطباعات الشخصية، فهي تقدم صورة متكاملة عن التاريخ المالي للعميل، من التزاماته السابقة، ومستوى سلوكه الائتماني، وحجم تعاملاته مع البنوك وشركات التمويل، وصولًا إلى درجة انتظامه في السداد.

وهذه البيانات تمكّن الشركات من تقييم المخاطر المحتملة، وتحديد مدى ملاءمة العملاء، سواء عند منح التمويل، أو تقديم الخدمات، أو تسعير المنتجات.

أما في قطاع التأمين، فإن التقارير الائتمانية تكتسب بعدًا إستراتيجيًا مضاعفًا، خصوصًا بعد رفع الحماية الجزائية عن الشيكات، حيث لم يعد الشيك ضمانة قانونية تردع التعثر، بل أصبح الالتزام المالي مرهونًا بسمعة العميل الائتمانية.

وفي هذا السياق، يمثل التقرير الائتماني المؤشر المبكر الذي يرصد علامات الخطر قبل أن تتحول إلى خسارة حقيقية، سواء من خلال تأخر السداد، أو تراكم الالتزامات، أو أنماط المطالبات المتكررة.

وتبرز أهميته كذلك في مكافحة المطالبات المفتعلة التي تشكل عبئًا ماليًا متزايدًا على شركات التأمين، إذ تكشف التحليلات أن هناك ارتباطًا واضحًا بين ضعف الوضع المالي للفرد وارتفاع احتمالية تقديم مطالبات تأمينية غير حقيقية أو مبالغ بها، ومن خلال تحليل المؤشرات الائتمانية، يمكن للشركات اكتشاف هذه الأنماط قبل وقوعها، واتخاذ إجراءات وقائية كإعادة التسعير أو طلب ضمانات إضافية.

إلى جانب دوره في الحماية من التعثر والاحتيال، يساهم التقرير الائتماني في رفع كفاءة التسعير والحوكمة داخل الشركات، ويمنحها رؤية أشمل لمخاطر السوق وسلوك العملاء، مما يعزز الشفافية ويزيد ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.

كما أن تبادل المعلومات الائتمانية، تحت إشراف البنك المركزي الأردني، يسهم في خلق بيئة مالية أكثر تكاملاً وعدالة، ويضع جميع الأطراف على أرضية من المعلومة الدقيقة والرقابة المتبادلة.

في النهاية، يمكن القول إن التقارير الائتمانية أصبحت بوصلة استباقية للشركات في بيئة مالية تتغير بسرعة، فهي لا تكتفي بالكشف عن المخاطر، بل تساعد على التخطيط والوقاية، وتمنح قطاع التأمين وسائر القطاعات أداة إستراتيجية تضمن الاستدامة، وتحد من المفاجآت غير المحسوبة، وتحوّل البيانات إلى قوة تنافسية حقيقية.

مقالات ذات صلة