العنف في الجامعات.. أين المشكلة؟

فهد الخيطان

حرير- حتى وقت قريب، كان القلق يساور المسؤولين والمهتمين من تصاعد خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، بين مكونات اجتماعية من أصول مختلفة، على خلفية التطورات الجارية في غزة، والحرب الإسرائيلية الوحشية على القطاع.

لكن في مجتمعات ما قبل المواطنة، من غير المستغرب أن تتوسع دائرة الكراهية والصدام لتشمل فئات تنتمي لنفس المكون الواحد، ما دامت الهويات الفرعية هى السائدة والمهيمنة.

ربما كان مفاجئا أن تكون الجامعة الأردنية، الأكثرا عراقة بين مؤسساتنا الجامعية، هى ميدان لمواجهة ضارية بين مجاميع طلابية تنتمي لمكونات اجتماعية عشائرية. لكن ليس مهما التوقف عند هذا الأمر، في وقت تسود فيه الثقافة ذاتها المجتمع برمته، وتحكم سلوك أفراده. ففي مثل هذ البيئة الاجتماعية تتساوى ساحات التعليم مع دواوين العشائر، حيث يتقدم الانتماء للعشيرة والقبيلة على سواه من الولاءات والهويات.

لسنوات طويلة مضت، عانت الجامعات الأردنية من ظاهرة العنف الطلابي. وفي سعي الإدارات الجامعية والفرق الأكاديمية والسياسية المهتمة لفهم هذه الظاهرة ومعالجتها، عقدت عشرات المؤتمرات والندوات، وكتبت مئات المقالات.

لا أقول إن هذه الجهود ذهبت سدى، فهى بلا شك ساعدت في تقديم فهم أعمق للظاهرة، واقتراح حلول واقعية لها، وهو ما انعكس بشكل ملموس على تراجع معدلات العنف الجامعي في السنوات القليلة الماضية مقارنة مع ما كان عليه في السابق.

بعد ولوج الأردن طريق التحديث السياسي قبل سنوات ثلاث، والقرار الثوري الذي تم اتخاذه بالسماح للأحزاب السياسية في العمل بشكل قانوني في الجامعات، كان الرهان كبيرا على دور هذه الأحزاب في تقديم بديل وطني للهويات الفرعية للطلاب، وانتظامهم في أطر سياسية، بما يساعد في تراجع الولاءات المناطقية والعشائرية، وتقييد مظاهر العنف، لصالح علاقات طلابية قائمة على الحوار والتنافس الديمقراطي، حول برامج وقضايا تهم مصالح الناس عموما، وحياة الطلاب وأولوياتهم بشكل خاص.

لم نشهد تقدما ملموسا على هذا الصعيد في معظم الجامعات، بسبب حداثة التجربة، التي لم يمر عليها أكثر من عامين في التطبيق. فالأحزاب لم تنجح بعد في تعويض الطلاب على هوياتهم الاجتماعية التي حملوها معهم إلى ساحات التعليم. ومن غير المتوقع أن تتمكن الأحزاب من تأطير الطلبة، وإعادة توجيه وعيهم ليغدو أكثر شمولا في النظرة للأخرين، وفي نظرتهم للجامعة كمكان للتعليم واكتساب الخبرات في الاتصال والاندماج مع مختلف المكونات.

سيتطلب الأمر وقتا أطول، لكن إذا كانت الأحزاب خاصة الجديدة منها جادة في عملها وإرادتها للمساهمة في الحياة السياسية، فليس من طريق أمامها لبناء أعظم الكوادر القيادية في مختلف المجالات سوى الانخراط في تنظيم طلاب الجامعات.

المجتمع بما فيه من مشكلات عميقة تتصل بالهوية والانتماء، لن يكون قادرا على المساعدة في حل مشكلة العنف في الجامعات، فهو الذي يبعث لهذه الجامعات شبانا يحملون نفس الأمراض والأعراض.

في زمن بعيد مضى، كانت الجامعة الأردنية”الأم” ومن بعدها حفنة صغيرة من الجامعات، هى المشفى الذي يعالج أمراض الوعي الوطني للقادمين من مختلف المشارب الاجتماعية. مؤخرا تنازلت هذه الجامعات عن دورها وأصبحت نسخة للواجهات العشائرية والإقليمية.

مقالات ذات صلة