في شرم الشيخ… حضر الرهائن وغاب السلام

عبد الناصر سلامة

حرير- الكثير من علامات الاستفهام، حول احتفالية شرم الشيخ، الإثنين الماضي، سوف تظل بلا إجابات وقتاً طويلا، حتى لو تم كشف النقاب عن بعضها بين حين وآخر، ما جعل الرأي العام العربي، وربما العالمي أيضاً في معظمه، لا يثق بجدوى ما رآه على مسرح الأحداث، نتيجة ممارسات سابقة لأبطال المسرح، ما بالنا عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني، الذي ضرب عرض الحائط، على امتداد عقود طويلة، بعشرات القرارات الأممية، والمحاكم الجنائية، والمنظمات الدولية، ناهيك من ممارسات الداعم الأكبر، ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة الأرقام القياسية باستخدام (الفيتو) في مواجهة الحق الفلسطيني، بشكل خاص، والداعم الأكبر بأسلحة الإبادة والتطهير العرقي.

في البداية يجب أن نتوقف كثيراً، أمام أي مبادرة وساطة، من صنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خصوصاً عندما يكون هو المتفاخر بمنح كيان الاحتلال أحدث الأسلحة، لاستخدامها في قتل الشعب الفلسطيني، مثنياً على استخدامها الاستخدام الأمثل، (في القتل والدمار بالطبع)، ناهيك من فريق عمله، الذي ينتمي في معظمه للصهيونية، بدءاً من وزير خارجيته ووزير حربه، مروراً بمبعوثه الخاص، وحتى زوج ابنته، الذي قال متفاخرا بالكيان إنه بصدد الدخول إلى العصر الذهبي، إلى غير ذلك، مما كان يجب أن يحول دون قبوله وسيطاً، لعدم حياده، إن لم يكن عدم الأهلية.

وليس أدل على ذلك ما قاله بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال أمام الكنيست موجهاً حديثه لترامب: شكراً على اعترافك بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وعلى نقل السفارة الأمريكية إليها، شكراً على اعترافك بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، شكراً على وقوفك في وجه الأكاذيب بحق إسرائيل في الأمم المتحدة، شكراً على اعترافك بخطة 2020 للسلام بحقنا في يهودا والسامرا (الضفة الغربية) أرض الأسلاف للشعب اليهودي، شكراً على وساطتك من أجل صك الاتفاقية الإبراهيمية، شكراً على انسحابك من الاتفاق النووي الكارثي مع إيران، شكراً على دعمك عملية الأسد الناهض (القصف الإسرائيلي على إيران)، وعلى قرارك الجريء، بشن عملية مطرقة منتصف الليل (القصف الأمريكي على منشآت إيران النووية)، مشيراً إلى أن ترامب أكثر من وقف بجانب إسرائيل من بين الرؤساء الأمريكيين كافة. ويكفي في هذا الصدد، أن نذكر ما قاله ترامب، في مكتبه بالبيت الأبيض قبيل توجهه إلى المنطقة: (لا أضمن أن إسرائيل لن تعاود قصف غزة، وما سنفعله هو استعادة الرهائن، بعد ذلك سنرى، وهدف الجميع هو استعادة الرهائن)، بما يشير إلى عدم وجود خطة للسلام على المسار الفلسطيني على أقل تقدير، رغم استخدامه لتعبير، سلام المنطقة، أكثر من مرة في شرم الشيخ، إلا أنه بالطبع لم يوضح عن أي سلام يتحدث، بل لم يأت هو أو غيره على ذكر (حل الدولتين) أو (إقامة دولة فلسطينية) خلال القمة التي اقتصر عنوانها على «وقف القتال»، أما في الكنيست أثناء إلقاء ترامب خطابه، فقد تم طرد النائب أيمن عودة، حزب «حداش- تاعال» بمجرد أن رفع لافتة تطالب بدولة فلسطينية، شاركه فيها النائب أوفر كاسيف، الذي طُرد أيضاً، وقد أثنى ترامب على سرعة عملية طرد النائبين.

المدعوون لاحتفالية شرم الشيخ، أو احتفالية ترامب، مجموعتان، الأولى منها على غرار رئيس الوزراء البريطاني، والمستشار الألماني، ورئيسة الوزراء الإيطالية، والرئيس الفرنسي، وغيرهم، كانوا على مدى عامين، من أكبر الداعمين لحرب إبادة الشعب الفلسطيني، بالمال والسلاح، وفي الأروقة والمحاكم الدولية، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة عن أسباب ذلك التحول في الموقف، إن لم يكن ما قاله ترامب من أن الهدف هو الإفراج عن الرهائن، أو تحييد حماس بسلاحها، لحين الانتهاء من مهام أخرى بالمنطقة أو خارجها.

أما المجموعة الأخرى، التي يمكن اعتبارها في الغالب المجموعة العربية، فهي التي تأتي بالأمر المباشر، والذين لم نسمع من أي منهم حديثاً عن الدولة الفلسطينية، أو تعويض مواطني غزة، أو مقاطعة الكيان، بل كان التمثيل العربي في معظمه، على المستوى الوزاري، على خلاف المستوى الرئاسي الأوروبي، ما يطرح أيضاً العديد من التساؤلات، وهل لذلك علاقة باكتفاء مصر بكتابة (جمهورية مصر) فقط، على اللافتة التي وضعت على المنضدة أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أثناء التوقيع، دون ذكر كلمة (العربية)؟

أسئلة كثيرة ومهمة جداً، حول ضمانات انسحاب قوات الاحتلال من كامل قطاع غزة، بعد أن انسحبت من نحو 53% من المساحة فقط، ضمانات عدم العودة بالفعل لقصف أو اجتياح القطاع، بعد ذلك الذي نشاهده بشكل يومي، من اعتداءات على الأراضي اللبنانية، رغم الضمانات الأمريكية والفرنسية، التي صاحبت اتفاقاً مماثلاً انسحبت بموجبه قوات حزب الله من معظم مناطق الجنوب، غياب الوضوح حول مستقبل غزة في ضوء تلويح عدد من وزراء الكيان المتطرفين بإعادة احتلالها، غياب الحديث عن مستقبل الضفة الغربية، في ضوء وعود ترامب الانتخابية بضمها للكيان، كيفية ضمان مستقبل شرق القدس في ضوء اعترافه أيضاً بها عاصمة موحدة للكيان، ضمان بدء مفاوضات حل الدولتين، في ضوء تجاهل الإدارة الامريكية الحالية لهذا الطرح، وتبنيها لرؤية الكيان في الرفض. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل هناك مراحل أخرى بالفعل، تنسحب خلالها وبموجبها قوات الاحتلال من قطاع غزة بالكامل، أم أن الأمر استقر على ما جرى، تزامناً مع زيارة الرئيس الأمريكي، بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، مقابل الانسحاب من نصف مساحة القطاع، وهو ما لن يحقق أي استقرار في المنطقة، خصوصاً عندما يتم ربط الانسحاب بتسليم سلاح المقاومة، وهو ما لن يحدث بأي حال، إلا إذا كان التسليم، لسلطة فلسطينية شرعية، تمثل الدولة المنشودة، حسبما أعلن أكثر من قيادي من زعماء المقاومة، الأمر الذي يمكن أن يفجر الأوضاع بين عشية وضحاها، بما يجعل ما جرى مجرد هدنة، تسعى خلالها قوات الاحتلال إلى تنظيم صفوفها من جديد، وتعويض ما خسرته من عتاد، مع استمرار عمليات القتل، والتحكم في الدخول والخروج من القطاع، وتخفيض المساعدات، وهو ما حدث بالفعل في اليوم التالي مباشرة.

بالفعل، نجحت القوى الكبرى، من خلال ضغوط واسعة ومتشعبة، في الإفراج عن 20 إسرائيلياً، رغم وجود ما يزيد على عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، إلا أن غياب السلام بمفرداته عمداً، عن قمة شرم الشيخ، جعل منها مسخاً بلا قيمة، وربما جرى ذلك بسبب وضوح الإدارة الأمريكية الحالية في الانحياز الأعمى لكيان الاحتلال، مقارنة بالإدارات السابقة، التي كانت تتعهد على الدوام بحل الدولتين، دون أي نتائج على الأرض، في إطار عمليات تلاعب، استهدفت دوماً كسب الوقت، إلى حين تحقيق أهداف أخرى، من بينها الحصار على العراق، ثم غزوه، والعقوبات على ليبيا، ثم إسقاط النظام، والعقوبات على إيران، ثم قصف المفاعل النووي، وغير ذلك، دارت معه القضية الفلسطينية في حلقات مفرغة، على مدى نحو ثمانية عقود.

وفي هذا الصدد تجد الإشارة، إلى أن المذكرة الرئاسية التي وقع عليها في شرم الشيخ، قادة كل من أمريكا ومصر وقطر وتركيا، وجاءت تحت عنوان «مذكرة رئاسية» تحدثت عن العزم على تفكيك التطرف والتشدد، وحل النزاعات المستقبلية من خلال الانخراط الدبلوماسي والتفاوض، وأن السلام الدائم هو الذي يتمكن فيه الفلسطينيون والإسرائيليون من الازدهار، إلى غير ذلك من حديث فضفاض، لم يتضمن النص أي حقوق تاريخية للشعب الفلسطيني، أو أي تعهد تجاهه من أي نوع، حتى فيما يتعلق بحق تقرير المصير، وهو الأمر الذي يتجاوب مع توجهات السياستين الأمريكية والإسرائيلية على السواء، فيما يتعلق بخطة تعاملهما مع القضية الفلسطينية، وعدم الاعتراف بأي حقوق للشعب الفلسطيني، من تلك التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

نستطيع الآن أن نؤكد، أن القضية الفلسطينية، عادت إلى المربع صفر على المستوى الرسمي، إلا إنها عالمياً على المستوى الشعبي، دخلت آفاقاً جديدة من الوعي والفهم والإدراك، فلم يعد العالم بعد طوفان الأقصى كما كان قبله، التأييد للقضية ولحقوق الشعب الفلسطيني أصبح في أعلى درجاته، في المقابل لم يعد الصهيوني أو الإسرائيلي يستطيع الكشف عن هويته في الكثير من بقاع العالم، ما يمنح المقاومة الفلسطينية أملاً جديداً، سيدفعها إلى تحقيق المزيد من الإنجاز والإعجاز، أياً كان حجم المؤامرة، ذلك أننا أمام القضية الأكثر عدلاً في العالم الآن، وأمام الاحتلال الأخير في العالم أيضاً، وهو ما يجعله يلفظ أنفاسه، رغم ما نراه من محاولات يائسة للظهور بشكل مغاير.

مقالات ذات صلة