
ما هي ملامح اليوم التالي بعد وقف الحرب؟
مروان المعشر
حرير- بداية، فإن أي وقف لإطلاق النار يجب النظر له بإيجابية، فأهل غزة عانوا الكثير، والحرب دمرت غزة بشكل شبه كامل، كما أن قدوم الرئيس ترامب للمنطقة شخصيا وتأكيداته أن الحرب توقفت بالكامل، سيجعل استئنافها من قبل نتنياهو أصعب بكثير. من حق الفلسطينيين في غزة الابتهاج، ومن حق أهالي المعتقلين الفلسطينيين الاحتفال بإطلاق سراحهم من الأسر.
يختلف كل هذا عما بشرنا به الرئيس ترامب من سلام دائم وشرق أوسط جديد. لم يفصح ترامب عما قصده من سلام دائم، فإن كان إيقاف الحرب هو الخطوة الاولى نحو مسار جاد لإنهاء الاحتلال وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أرضهم، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بالكامل، فمن حق ترامب التفاخر بسلام دائم وحقبة جديدة في المنطقة. أما إذا كان هذا الإيقاف مقدمة لسلام إذعاني، كما تدل مؤشرات عديدة بدأت ترشح عن نية الولايات المتحدة وإسرائيل، فنحن مقبلون على مرحلة في غاية الخطورة، وذات تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية، كما على الدول المجاورة وعلى رأسها الأردن.
لم يطرح ترامب أية خطة، بل أي أمل لمسار سياسي جاد، بل يبدو أنه غاية في التفاؤل في أن الدول العربية مستعدة لتمويل إعادة إعمار غزة، من دون وجود أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع موقف هذه الدول، خاصة المملكة العربية السعودية. كما أن غياب أي تعاطف له مع الجانب الفلسطيني، يضاف إلى ذلك الموقف الإسرائيلي الرافض لأي انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، يؤشر لمرحلة جديدة ستحاول الولايات المتحدة وإسرائيل فرض سلام إذعاني على الجانب الفلسطيني، بدعوى أن الفلسطينيين خسروا الحرب وعليهم تحمل النتائج. قد يتكشف المخطط الإسرائيلي والأمريكي بالتدريج، ولكن المؤشرات الأولية غير مشجعة. يجري الحديث اليوم عن إعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا في جزر سكانية منعزلة، بينما تضم إسرائيل معظم مناطق الضفة الغربية، أو ما حدده وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش بـ82% من الضفة الغربية، أو المنطقة ب وج من اتفاقية أوسلو.
كل من تابع احتفال التوقيع على إنهاء الحرب في شرم الشيخ، لا بد أن لاحظ عدم ارتياح الملك عبدالله الثاني، فالملك يدرك أن خطة ترامب لا تتضمن حتى إشارة واحدة للضفة الغربية، وعلى الرغم من تصريح ترامب بأنه لن يقبل بضم الضفة من قبل إسرائيل، فإن واقع الحال يشير إلى أن إسرائيل تقوم بإجراءات يومية تشير إلى هذا الضم فعليا.
لن يمر هذا السلام الإذعاني بهذه السهولة، ولن يقبل أكثر من خمسة ملايين فلسطيني أن يحكموا من قبل اسرائيل بهذه الطريقة، وان يكتفوا بحكم ذاتي أشبه بإدارة البلديات بينما تبتلع إسرائيل الأرض والحلم الفلسطيني. لكن الجانب العربي لا يستطيع التعويل على الصمود الفلسطيني فقط، من دون إسناده بموقف عربي صلب في مواجهة المشروع الاسرائيلي. موقف المملكة العربية السعودية مهم للغاية، فمن الضروري على دول عربية كالأردن ومصر وقطر وغيرها التنسيق المستدام مع الجانب السعودي الرافض لأي عملية تطبيعية مع إسرائيل، من دون قيام الدولة الفلسطينية، ورفد ذلك بتمويل عربي وإسلامي لدعم بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
لا بد أيضا من التنسيق مع المجتمع الدولي، الذي بدأ بالذهاب نحو مسار لا يكتفي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل يتعدى ذلك لمواجهة ضم إسرائيل للأراضي المحتلة بعقوبات اقتصادية وعسكرية، بدأتها إسبانيا وسيتلوها العديد من الدول الاخرى.
لا توجد طريقة لإجبار أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس وغزة، على قبول سلام استسلامي بالقوة، لكن الاحتمال الأقوى بنظري هو استمرار الصراع لمدة من الزمن، مع تداعيات سلبية للغاية ريثما يحدث تحول الموقف الدولي تغييرا في المقاربات الحالية. الإجراءات الإسرائيلية التي تحاول ضم الضفة الغربية ستقابل تصاعديا بإجراءات دولية من قبيل عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية. يستطيع ترامب التباهي بشرق أوسط جديد، لكن ما يتحدث عنه هو ونتنياهو شرق اوسط تهيمن عليه إسرائيل وهذا لن يتم. هناك أكثر من خمسة ملايين فلسطيني لديهم رأي اخر.