
آلية الزناد بالنسخة الإيرانية في مواجهة العقوبات؟
د. جيرار ديب
حرير- أعادت الأمم المتحدة، الأحد 28 سبتمبر/أيلول الماضي، فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، من خلال تطبيق الآلية المعروفة باسم الزناد “سناب باك”، وهي عقوبات مضمنة في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية. إن الهدف من فرض هذه العقوبات مرة أخرى، هو تجميد الأصول الإيرانية في الخارج، وتوقف صفقات الأسلحة مع طهران، كما تعاقب أي تطوير لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، من بين تدابير أخرى.
هذا في العلن، ولكن للترويكا الأوروبية أهداف ثانوية من “سناب باك” لا تقل أهمية عن الردع النووي الإيراني، وهي ما يتعلق بإغلاق الباب أمام موازنة الحرب الروسية، التي كانت تستفيد من فترة السماح للاقتصاد الإيراني للاتصال مع العالم الغربي، بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، إذ لطالما تعمّدت روسيا التحايل على العقوبات، من خلال إقامة “أسطولها الظل” لنقل وتصدير نفطها إلى العالم عبر الموانئ الإيرانية، كما استفادت صناعاتها العسكرية من الحصول على القطع اللازمة من الشركات الإيرانية، لتفعيل إنتاجيتها العسكرية.
إن موضوع امتلاك إيران للقنبلة النووية، أثار رفضا واسعا، خصوصا مع دول الجوار الخليجي، هذا عبّر عنه مندوبها في الأمم المتحدة الأمير عبد الله بن خالد بن سلطان، السبت 27 سبتمبر، عندما أكّد دعم بلاده الجهود الدولية الرامية لضمان منع إيران من حيازة السلاح النووي. كما أنه لا أحد يريد من إيران إعادة تموضعها في المنطقة، على اعتبار أن هذا يشكل تهديدا لمصالحهم الاستراتيجية، وهذا ما يؤكّد عليه النظام التركي من خلال العمل على وحدة سوريا، لقطع الطريق أمام أحلام النظام الإيراني في العودة إلى مدّ نفوذه.
تشعر إيران بأنها باتت مطوقة إقليميا ودوليا، وإن ما نسجه نظامها في المنطقة منذ تصدير ثورتها عام 1980، بات رثا، وإن عليها أخذ المبادرة في التحرك. شعور المضي في المواجهة تعزز لديها، مع إبرام المملكة السعودية اتفاقا أمنيا استراتيجيا مع باكستان، وفي ظل توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على مرسوم تنفيذي يمنح دولة قطر حماية أمريكية شاملة من أي اعتداء، وما زاد من “تلبكها” موافقة حركة حماس على خطة ترامب لوقف حرب غزة، لتشعر بأن هناك أوراقا سقطت من يدها. لا شكّ في أن الغرب يعمل على تضييق الخناق على إيران في مسعى لإثنائها عن السير بملفها النووي، لهذا وضع يده على الزناد وكانت العقوبات، فهو ملزم على فعل ذلك، من جهة يخشى المواجهة مع الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق عام 2017، لاسيما وإنها تستخدم ورقة “البعبع” الروسي في الحرب الأوكرانية القابلة على التوسع. ومن ناحية ثانية، تعمل أوروبا على تفعيل حضورها في القضايا الدولية، بعدما لمست تهميشا ترامبيا واضحا في الكثير من القضايا الساخنة في العالم. لم تنجح الدبلوماسية الإيرانية في ثني الترويكا الأوروبية عن اعتماد هذه الآلية، وأمام التحديات المتسارعة المستجدة، وجدت طهران نفسها ملزمة بإعادة تفعيل آلية زنادها، ليس بهدف رفض العقوبات، ولكن لإعادة رفع مستوى حضورها الإقليمي.
في ضوء ما يجري سارعت إيران ووكلائها في المنطقة إلى إطلاق التصريحات، كدلالة على أنّ المحور لم يزل يمتلك الكثير من أوراق قوته. وإنه لم يزل قادرا على فرض المعادلات والتأثير على مصالح الغرب وإسرائيل على حدّ السواء. إذ فاجأ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي زار بيروت نهاية سبتمبر الماضي، بما صرح به عن أن “حزب الله لا يتحرك الآن، ولكن إذا تحرك فهو يمتلك القدرة على قلب الموازين في لبنان”، وهذا ما اعتبره الداخل اللبناني تدخلا واضحا في شؤون البلد، بل دلالة على إن الحزب لم يزل يمتلك فائضا من القوة. طبعا مثل هذا التصريح يتوجه به لاريجاني إلى الداخل اللبناني، الذي يطالب الحزب بتسليم سلاحه، وفي الوقت نفسه يحمل رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها، أنه في حال أي اعتداء على إيران سيكون حزب الله شريكا في الحرب، بخلاف حرب إيران السابقة مع إسرائيل في يونيو/حزيران الماضي.
موقف لاريجاني هذا، تزامن (وليس عن طريق الصدفة) مع ما أعلنت عنه جماعة أنصار الله في اليمن الاثنين 29 سبتمبر الماضي، عن إنها “ستعيد استهداف شركات نفط أمريكية كبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون”. وقال مركز تنسيق العمليات الإنسانية، ومقره صنعاء، إنه أدرج 13 شركة أمريكية و9 أشخاص وسفينتين على قائمة العقوبات، ما يمثل نوعا من فرض عقوبات على مصالح أمريكية عاملة في المنطقة. تحمل هذه التهديدات لوكلاء إيران في المنطقة رسائل إيرانية واضحة إلى من فرض العقوبات الأممية عليها، وإلى دول الجوار. لكنّ إيران لم تكتف برسائل وكلائها في المنطقة لإطلاق آلية الزناد بالنسخة الإيرانية، بل أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، الأربعاء 24 سبتمبر، أن “الحكومة والأجهزة الدبلوماسية بذلت كل جهودها لمنع تفعيل هذه الآلية، لكن في الوقت نفسه جرى إعداد خطة شاملة مسبقا لمواجهة مختلف السيناريوهات المطروحة، بهدف تقليص الضغوط على حياة المواطنين إلى أدنى حدّ”.
قد يكون ما طرحته المتحدثة يمثل خطة لوضع الإيرانيين في جهوزية واضحة تتضمن ليس فقط مواجهة العقوبات، بل مواجهة الحرب الثانية على البلاد، فالمنطقة لم تزل في حالة “المخاض” قبل الولادة، وإن المواقف الروسية والإيرانية الرافضة لقرار الأمم المتحدة لفرض العقوبات، دليل على أن التحالفات الإقليمية والدولية بدأت ترسي ركائزها وسط انغلاق دبلوماسي سيؤدي إلى حتمية الحرب، فهل ستنجح آلية الزناد الإيرانية في تغيير المشهدية في المنطقة التي يعمل ترامب على رسمها؟