
نمو الناتج المحلي والاستثمار الأجنبي
موسى الساكت
حرير- تتقاطع مؤشرات الاقتصاد الأردني في النصف الأول من عام 2025 لتروي قصة تحول إيجابي يستحق التوقف عنده.
فمن جهة، سجّل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 2.8 % خلال الربع الثاني، بزيادة ملحوظة بلغت 17 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. ومن جهة أخرى، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة بنسبة 36.4 % لتصل إلى 1.05 مليار دولار، وهو ما يعكس حيوية الاقتصاد الأردني وقدرته على استقطاب رأس المال الخارجي رغم التحديات الإقليمية والدولية.
برأيي، هذه المؤشرات هي دلالة على مسارين متكاملين: مسار داخلي يعكس متانة البنية الاقتصادية، ومسار خارجي يعكس ثقة المستثمرين.
فالنمو الاقتصادي يوفّر أرضية خصبة للاستثمار، والاستثمار بدوره يغذي النمو عبر ضخ السيولة، ونقل الخبرات، وتوليد فرص عمل.
المثير للاهتمام أن الدول العربية استحوذت على الحصة الأكبر من الاستثمارات بنسبة تجاوزت 61 %، تقدمتها السعودية بنسبة 26 %، وهو ما يؤكد عمق الروابط الاقتصادية العربية-العربية، وإمكانية البناء عليها لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. في المقابل، ساهمت الدول الأوروبية بما نسبته 16.9 %، منها 13.4 % للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مساهمات من الولايات المتحدة ودول آسيوية كالهند والصين. هذا التنوع في مصادر الاستثمار يشكّل ضمانة ضد المخاطر ويؤكد أن الأردن لم يعد يعتمد على شريك واحد فقط، بل ينفتح على أسواق متعددة.
وعند تفصيل الاستثمارات حسب القطاعات، نجد أن المالية والتأمين تصدرا القائمة بنسبة 37.5 %، تلاهما العقارات بنسبة 11.5 %، ثم النقل والتخزين والصناعات التحويلية.
اللافت في تفصيل الاستثمارات، أن استثمارات الأفراد غير الأردنيين في الأراضي والعقارات شكّلت 12.2 % من الإجمالي، وهو مؤشر على جاذبية البيئة العقارية الأردنية، ولكنه في الوقت نفسه يدعونا للتفكير بآليات استثمارية أعمق تتجاوز العقار إلى قطاعات إنتاجية أكثر استدامة.
أعتقد أن التحدي الأكبر أمامنا اليوم هو تحويل هذا الزخم الاستثماري إلى قيمة مضافة حقيقية على المدى الطويل. فالغاية ليست فقط استقطاب رؤوس الأموال، بل توجيهها نحو قطاعات ترفع الإنتاجية، وتدعم الابتكار، وتفتح أسواقا تصديرية جديدة. وهنا يبرز دور السياسات الاقتصادية في خلق بيئة تنظيمية وتشريعية أكثر مرونة وجاذبية.
في النهاية، يمكن القول إن الأردن اليوم يقف عند نقطة تحول: نمو اقتصادي يقابله ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات الأجنبية. هذا الثنائي يمنحنا فرصة ذهبية لتثبيت صورة الأردن كوجهة استثمارية موثوقة في المنطقة. لكن الاستفادة الحقيقية من هذه الفرصة مرهونة بقدرتنا على توجيه الاستثمارات نحو التنمية المستدامة، بما يحقق التوازن بين النمو الحالي والطموحات المستقبلية وبالأخص مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.