لبنان: هل يجوز نزع سلاح حزب الله؟

عصام نعمان

حرير- بعد جدل طويل وانتظار مقلق، مدّد مجلس الأمن الدولي بقراره 2695 يوم الخميس الماضي للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» نشاطها، حتى نهاية العام المقبل تمهيداً لانسحابها في نهاية عام 2027. أبرز نقاط القرار خمس:

*التنفيذ الكامل للقرار 1701 الصادر سنة 2006، والاحترام الكامل للخط الأزرق بين لبنان و»إسرائيل»، ووقف الأعمال العدائية عملاً بالاتفاق المعقود لهذه الغاية بتاريخ 26 نوفمبر 2024 كخطوة أساسية لتنفيذ القرار 1701 بالكامل.

*الإعراب عن القلق البالغ من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، بما في ذلك الغارات الجوّية، واستخدام الطائرات المسيّرة فوق الأراضي اللبنانية.

*دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى سحب قواتها شماليّ الخط الأزرق، بما يشمل خمسة مواقع عسكرية داخل الأراضي اللبنانية.

*رفع المناطق العازلة الإسرائيلية من شماليّ الخط الأزرق.

*دعوة السلطات اللبنانية إلى نشر قواتها في تلك المواقع (التي تحتلها إسرائيل) بدعمٍ من «اليونيفيل»، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وفقاً للقرارات 1559، 1680، 1701 واتفاق الطائف، بحيث لا تبقى أسلحة أو سلطة إلاّ تلك العائدة للدولة.

رحّب رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام بقرار التمديد لـِ»اليونيفيل» وشكر جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لكونها وافقت عليه بالإجماع، لكن الترحيب، لا بل الابتهاج الأقوى كان من قِبَل الأطراف السياسية المناهضة للمقاومة التي تطالب بنزع سلاح حزب الله، بما هو قائد قوى المقاومة في البلاد، ما أدى إلى تجدّد الجدل الحاد بين مختلف القوى السياسية حول مسألة مشروعية وجدوى البدء بنزع سلاح المقاومة قبل انسحاب «إسرائيل» من أراضٍ تحتلها من الناقورة في جنوبيّ غرب البلاد إلى شبعا في شماليّ شرقها. خصوم المقاومة يروا أن «إسرائيل» اجتاحت لبنان بغية مطاردة حزب الله، الذي كان يشترك مع فصائل فلسطينية في تنظيم عمليات فدائية ضد «إسرائيل» انطلاقاً من جنوب لبنان. أنصار حزب الله ردّوا، بأن الحزب لم يكن قد وُجد أصلاً عندما اجتاحت «إسرائيل» لبنان سنة 1982 من جنوبه حتى بيروت، حيث لم تتمكن قواتها من البقاء فيها سوى أربعة أيام نتيجةَ اندلاع مقاومة ضدها، افتتحها أحد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي (خالد علوان) الذي قَتَل بمسدسه ضابطاً وأربعة جنود اسرائيليين في أحد مقاهي العاصمة.

خصوم المقاومة ردّوا بأنه، سواء قبلنا أو رفضنا الأسباب والذرائع التي تدلي بها «إسرائيل»، فإنها تحتّل حاليّاً شطراً من جنوب لبنان وتهدّد باحتلال المزيد، ما لم تبادر الحكومة إلى تنفيذ قرار مجلس الوزراء بحصر السلاح بيد الدولة، وذلك بتجريد حزب الله وقوى المقاومة من السلاح قبل نهاية السنة الجارية.

لا يقتصر الجدل الحارّ على أنصار المقاومة وخصومها، بل يدور أيضاَ بين أركان السلطة، ذلك أن رئيس الجمهورية العماد جوزف عون كما رئيس الحكومة نواف سلام جادّان في مسألة حصر السلاح بيد الدولة، إنما يريدان من الولايات المتحدة الضغط على «إسرائيل» للانسحاب، أولاً، من الأراضي اللبنانية التي تحتلها كي تسهّل للحكومة عملية سحب السلاح من حزب الله وحلفائه. غير أن الوسيط الأمريكي توماس برّاك أخفق، والأرجح أنه لم يحاول، إقناع «إسرائيل» بالانسحاب أولاً، لأن واشنطن لا تريدها أن تنسحب، الأمر الذي أصاب عون وسلام بالإحباط وعزّز موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما حزب الله اللذين يرفضان تسليم سلاح المقاومة للجيش اللبناني إلاّ بعد انسحاب «إسرائيل» الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإقرار استراتيجية متكاملة للدفاع الوطني وتسليح الجيش اللبناني وإعداده للدفاع عن الوطن بقوةٍ واقتدار.

إلى ذلك، تداولت بعض وسائل الإعلام معلومةً مفادها، أن قائد الجيش العماد رودولف هيكل أبلغ كبار المسؤولين، أنه لن يتوانى عن الاستقالة إذا طُلب إليه تنفيذ قرار سحب السلاح من حزب الله بالقوة لأنه سيتسبّب بسفك الدماء. كيف يمكن الخروج من المأزق؟ ثمة حقائق لا يمكن تجاوزها في حال لبنان والعرب والعالم اليوم:

*لا سبيل إلى استخدام القوة من أجل إلزام حزب الله وقوى المقاومة بنزع سلاحها لأن مؤيديها من كل الطوائف يشكّلون أكثر من نصف عدد اللبنانيين، وإن كانت غالبيتهم من الشيعة.

*إن الجيش اللبناني، قيادةً وضباطاً وجنوداً، غير قادر وغير راغب في الاصطدام بقوى المقاومة تجنباً للتسبّب في اندلاع حربٍ أهلية.

*إذا كانت غالبية قيادات الفئات الحاكمة في عالم العرب، باستثناء اليمن والجزائر والعراق، غير مكترثة أو غير مهتمة كفايةً بما يحدث في فلسطين المحتلة ولبنان، فإن شعوب الأمة، بصورة عامة، متعاطفة مع المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، وتتزايد ضغوطها على الفئات الحاكمة لحملها على اتخاذ مواقف وقرارات أكثر دعماً، سياسياً ولوجستياً، للمقاومة في فلسطين ولبنان.

*تبدو «إسرائيل»، بعد نحو سنتين من حربها الوحشية على حركة «حماس» وحلفائها في قطاع غزة، وفي غمرة أزمتها السياسية والاقتصادية الداخلية المتفاقمة، عاجزةً عن التورط في حرب توسعية إضافية في لبنان، حيال إصرار حزب الله وقوى المقاومة على رفض نزع سلاحها، وعزمها تالياً على مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل بلا هوادة.

*تعاظم التأييد الشعبي في انحاء العالم لأحرار فلسطين ومؤيديهم من أحرار العرب، وانعكاس ذلك إيجاباً على دولٍ عدة باتت عازمة على تأييد قيام دولة فلسطينية مستقلة.

*إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي بالتمديد لـِ»اليونيفيل» في لبنان، بأن انسحاب «إسرائيل» من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف انتهاكاتها بات شرطاً لتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة.

*اتساع الاقتناع، لبنانياً وعربياً وعالمياً، بأن «إسرائيل»، خصوصاً تحت حكم بنيامين نتنياهو، مصممة على المزيد من التوسّع على حساب الدول العربية المجاورة، وأن لا صحة أو مشروعية للذرائع التي تسوّقها تبريراً لاعتداءاتها وتوسعها.

في ضوء هذه الحقائق، الأرجح ألاّ يتخذ مجلس الوزراء اللبناني، بعد درس الخطة المقدّمة من قيادة الجيش بشأن تنفيذ قرار حصر السلاح، أيّ تدبير لتطبيقه بالقوة لأنه لا يجوز نزع سلاح قوى المقاومة مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

مقالات ذات صلة