أين كسبت حماس وأين خسرت إسرائيل؟!!

د حسن براري العجارمة

حرير – أظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب (وهي من أهم مؤسسات الاستطلاع في العالم) أن نحو 60٪ من الجيل زد (18-24 عامًا) في الولايات المتحدة يؤيدون حركة حماس في مواجهة إسرائيل.

 

هنا نحن لا نتحدث عن فلسطين بشكل عام، بل عن حماس تحديدًا، هذا التحول في الموقف يعكس تراجع إسرائيل على مستوى “الصورة” في واحدة من أكثر الساحات أهمية بالنسبة لها، حيث بدأ جيل جديد (بينهم يهود أمريكيون) يرفع صوته قائلاً: ليس باسمنا ترتكب الإبادة بحق الفلسطينيين.

 

تحمل هذه النتائج دلالات استراتيجية خطيرة لإسرائيل، لأن هذا الجيل هو من سيقود الولايات المتحدة خلال العقد المقبل. فخسارة إسرائيل للشارع الأمريكي، خصوصًا لدى الجيل الشاب، تعني أنها ستصبح كـالبطة العرجاء في خطابها وصورتها الدولية إذ لم يعد بالإمكان الاستناد إلى الهولوكوست واحتكار صورة “الضحية”، بعد أن سقطت أخلاقيًا في مشهد إبادة يبث مباشرة للعالم. لذلك، وبغض النظر عن التطورات الميدانية أو اغتيال هذا القائد أو ذاك، تبقى الحقيقة أن إسرائيل خسرت معركة القلوب والعقول.

 

ملاحظة، في الثاني والعشرين من شهر مايو كنت قد كتبت المقال التالي لمن يريد ان يعرف اكثر عن الجيل زد:

 

الجيل زد: أمريكا التي نعرفها ستتلاشى

يقول البروفيسور الأمريكي اليهودي بروس روبنز، من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، إن ما تقوم به إسرائيل من إبادة في غزة هو رمز الشر بالنسبة لهذا الجيل. وكما تكشف العديد من استطلاعات الرأي الأمريكية، فإن هذا الجيل يشعر بأن إسرائيل لم تكن لتفعل ما قامت به في غزة لولا دعم ومباركة الولايات المتحدة. وربما لهذا السبب، يرى الجيل زد أن على عاتقهم تقع مسؤولية التغيير. في هذا السياق، يؤكد بروس روبنز أنه لا يقبل أن تتم هذه الانتهاكات باسمه كأمريكي أو كيهودي.

وفي الإطار ذاته، حذر نورم كولمان (رئيس الاتحاد اليهودي الجمهوري) من أن إسرائيل تخسر الحرب الرقمية أمام الجيل زد. جاء خطاب كولمان هذا عقب نشر استطلاع رأي أجرته مؤسسة بيو للأبحاث قبل شهر، والذي أظهر أن 53٪ من الأمريكيين يحملون الآن آراءً سلبية تجاه إسرائيل.

من هو الجيل زد؟

يشمل الجيل زد (Generation Z) الأشخاص الذين ولدوا بين عامي 1997 و2010 تقريبًا، أي أن أعمارهم تتراوح حاليًا بين 15 عامًا ومنتصف العشرينيات. يتميز هذا الجيل بسمات مختلفة عن جيل الألفية الذي سبقه وجيل ألفا الذي تلاه. ,ولهذا الجيل سمات هي: هم أول جيل نشأ مع الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي منذ سن مبكرة، ويمتازون بالبراعة في التكنولوجيا والتواصل الرقمي، يقدرون التنوع، العدالة الاجتماعية، والقضايا البيئية، ويميلون إلى استخدام منصات مثل تيك توك، إنستغرام، ويوتيوب بدلًا من التلفزيون التقليدي أو الوسائل المطبوعة.

ذكرياتي وتجاربي الشخصية مع الأجيال السابقة

عندما كنت طالبًا في مرحلة الدكتوراه بجامعة درم ببريطانيا في النصف الثاني من التسعينيات، كان الحديث آنذاك يدور حول جيل الألفية، وهم المولودون بين بداية الثمانينيات ومنتصف التسعينيات. هذا الجيل كان يُعد نقطة تحول كبيرة في العالم الحديث، حيث شكّل جسرًا بين الأجيال التقليدية السابقة والأجيال الأكثر انغماسًا في التكنولوجيا. وأذكر أيضا عندما كنت أدرس الماجستير في جامعة ليدز ببريطانيا، طلبت منا الدكتورة كارولاين كينيدي بايب في أول محاضرة بالسنة الدراسية أن نرسل لها بريدًا إلكترونيًا للإجابة على سؤال أبستمولوجي طرحته في نهاية المحاضرة. خرجت من القاعة وأنا أسأل نفسي: ماذا يعني “بريد إلكتروني”؟! بطبيعة الحال، كنت أنتمي لجيل ما قبل الألفية، لكنني تعلمت سريعًا وفهمت أن العالم يتغير بوتيرة متسارعة. جيل الألفية، ببساطة، أسّس للعولمة الثقافية بكل أبعادها.

أما جيل ألفا، فهم مواليد ما بعد عام 2010 وحتى اليوم. يتميز هذا الجيل بالنشأة في عالم مترابط رقميًا بالكامل، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، بدءًا من الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية وحتى المنازل الذكية. من المتوقع أن يعتاد هذا الجيل على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل طبيعي.

وعودة على بدء، ماذا يعني كل ذلك بالنسبة للولايات المتحدة ودولة الكيان؟

على الرغم من تقليدية المواقف السياسية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، فإن التغيرات في الأجيال قد تؤدي إلى تغيير هذه المواقف. من المرجح أن يُحدث الجيل زد تحولًا في النظرة الأمريكية تجاه إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية ودور الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وأكدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن جزءًا كبيرًا من الجيل زد يعارض الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، حيث يرى العديد منهم ضرورة أن تمارس الولايات المتحدة ضغطًا على إسرائيل من خلال تقليل المساعدات العسكرية أو زيادة الضغط الدبلوماسي.

صحيح أن الولايات المتحدة التي نعرفها في طريقها إلى الزوال، لكن هل هذا يعني أن ننتظر التغيرات في الولايات المتحدة؟ وهل ينبغي لنا أن نعوّل فقط على المجتمعات الأخرى، أم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ أرى أن المطلوب هو النظر إلى الداخل والعمل على مشروع وطني يعكس قناعة بأن عوامل النهوض أو التخلف كامنة في الداخل. فلا الخطاب الأيديولوجي المعلب الذي يُلقي باللوم على الآخرين ويحمله مسؤولية تراجعنا في مؤشرات التنمية البشرية، ولا خطاب المعارضة العقيم الذي لا يقدم بديلًا حقيقيًا قادران على تغيير الوضع بحيث نحدث النقلة النوعية ونحظى باحترام الخصوم والأصدقاء على حد سواء.

مقالات ذات صلة