
هل كان الهجوم الإسرائيلي على إيران محاولة لإسقاط النظام؟
د. مثنى عبد الله
حرير- في الساعات الأولى من صباح 13 يونيو/ حزيران الجاري، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على إيران، استهدفت مواقع ومراكز قيادية وشخصيات عسكرية وعلماء نوويين. وقد مثّل الهجوم نقطة تحوّل في قواعد الاشتباك بين تل أبيب وطهران. وهو في العلوم العسكرية ليس هجوما اعتياديا متعارفا عليه، ولا ضربة استباقية، بل هو هجوم مُركّب يشكل بداية حرب حقيقية. ويمكن القول إن إسرائيل تجاوزت بهذه الضربة البُعد النووي، لتشمل بُنية إيران العسكرية، وهي تأتي ضمن استراتيجية الردع قبل النووي.
إن الهجوم الإسرائيلي بالطيران على الأهداف الإيرانية بموجاته الخمس الأولى في الصباح، ثم إعادة استهداف تلك الأهداف مرة أخرى، في محاولة لتحطيم القدرات النووية الإيرانية، واستهداف القيادات لتعطيل وإرباك مراكز القرار والبُنية القيادية، وتقويض القدرات الصاروخية الإيرانية، وتقليل فرص الرد من قبل طهران، كلها تُشير الى أن هناك محاولة حقيقية لإسقاط النظام الإيراني من الداخل. كما يمكن القول إن إسرائيل حاولت أن تظهر بأنها قامت بهذا الهجوم الواسع النطاق، من أجل أن تستعيد الردع على هامش هذه العمليات.
وعندما نقرأ ما قالته صحيفة «واشنطن بوست»، من إن قوات كوماندوز إسرائيلية انتشرت على الأراضي الإيرانية قرب منظومات الدفاع الجوي، وإن الموساد الإسرائيلي أقام مُعسكر للمُسيرات الانقضاضية في الداخل الإيراني، وإن هذه التحضيرات تمت منذ أكثر من ثمانية أشهر، وكانت نتيجتها استهداف ما يقارب العشرين من قادة الصف الأول العسكريين وعلماء الذرة وهم في مساكنهم، إنما يشير إلى أننا أمام عملية تصعيد من قبل إسرائيل، وفقا لقرار تم اتخاذه منذ سنوات، بأنه في اللحظات التي يكون لدى إسرائيل يقين بأن إيران قادرة على إنتاج السلاح النووي، فإن التدخل العسكري يصبح ضرورة وليس اختيارا.
إن اختيار أهداف بحجم قيادة الحرس الثوري، ومواقع نووية في مختلف المحافظات الإيرانية، يمثل تحولا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية من الردع إلى الهجوم الوقائي المفتوح. كما يُلاحظ أن هناك استهدافا لعناصر الدولة ككل، حيث تم استهداف قائد الحرس الثوري، ورئيس الأركان ونائبه، وقائد الدفاع الجوي وقائد القوة الجوفضائية، وقائد المُسيّرات وعدد من علماء البرنامج النووي الإيراني، ومستشار المُرشد الأعلى، وهذه كلها تشير إلى أن هناك قرارا إسرائيليا باستهداف مفاصل الدولة الحيوية. أيضا إعادة الضربات الجوية للمفاعلات النووية، يوضّح أن هناك عملية تقييم للهدف الذي يتم استهدافه، لذلك الضربات تتم على شكل موجات متتابعة بغية إحداث أكبر نسبة تدمير، وتحييد جميع المناطق التي يوجد فيها تخصيب يورانيوم بنسبة تزيد عن 60%.
أما بالنسبة لإيران فمنذ زمن بعيد كان ردها يعتمد على أذرعها في المنطقة، لكن هذه الخطة فشلت بعد استهداف إسرائيل لحزب الله وإخراجه من معادلة الردع، حتى إن مسؤولا في هذا الحزب قال مؤخرا، إنهم لن يتورطوا في هذه الحرب. لذللك ليس أمام طهران سوى استخدام الترسانة الصاروخية التي لديها، لمهاجمة الأهداف الإسرائيلية في فلسطين المُحتلة. كما أن هناك خيارا آخر لديها وهو استهداف القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة، وعددها حوالي 12 قاعدة، ويوجد فيها تقريبا ما يزيد عن 40 ألف جندي أمريكي. لكن هذا الخيار لن تُقدم عليه إيران، لأنها تعرف جيدا نتائج الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة عليها. لذلك يبقى خيار استهداف إسرائيل بالصواريخ الفرط صوتية والباليستية والمُسيّرات، هو الخيار الوحيد الذي بيد صانع القرار الإيراني. وكلما تأخرت في الرد فإنها ستصل الى مرحلة لن يكون لديها شيء للرد، لأن هناك تصميما في إسرائيل وفي الولايات المتحدة، على تحييد القُدرات الإيرانية بالمطلق، وقد يكون هذا الأسلوب هو وسيلة ضغط على طهران لتلبية طلبات الولايات المتحدة وهي صفر تخصيّب.
إن دور الولايات المتحدة واضح في هذه المواجهة. فهي قدمت غطاء لوجستيا واستخباراتيا لهذه العملية. وهي ليست وسيطا بل هي شريك رئيسي ورأس حربة. لكنها تتخذ من المهارة الدبلوماسية في فن السياسة وسيلة للبقاء كالمتفرج، بينما هي تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل في هذه العملية. فإسرائيل لن تستطيع أن تنفذ هذه العملية الكُبرى، بالهجوم على أهداف حيوية إيرانية، من دون موافقة الولايات المتحدة، بل إنها لا تستطيع تنفيذ هذه الموجات المتتابعة من القصف، من دون أن يكون هناك سيل من المعلومات الاستخباراتية، والإمدادات اللوجستية سواء كان بالأسلحة والذخائر والمتفجرات، أو حتى بعمليات الإرضاع الجوي، حيث إن المسافة بعيدة بين إسرائيل وإيران، ما يتطلب عمليات تزويد بالوقود في الجو للطيران الإسرائيلي. لذلك يمكن القول وبثقة عالية، إن الولايات المتحدة الأمريكية هي جزء أصيل من هذه العمليات الحربية الإسرائيلية على إيران.
يقينا أن شكل هذه العملية وطريقة تنفيذ الهجوم الإسرائيلي على إيران، قد حمل بصمة الصدمة من حيث عنصر المباغتة، والتركيز على اغتيال قادة الصف الأول من العسكريين الإيرانيين، وهو أسلوب نجحت إسرائيل في استخدامه سابقا ضد حزب الله اللبناني، لذلك من المتوقع أن يكون هناك سيناريو يتضمن سلسلة ضربات أعمق تستهدف تفكيك الحرس الثوري، باعتباره العمود الفقري للنظام القائم في إيران. كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال أن إيران مُخترقة عموديا وأفقيا، أمنيا واستخباراتيا، من قبل الموساد الإسرائيلي المتغلغل في الداخل الإيراني بشكل لافت، لذلك عندما تكون هنالك معلومات تشير إلى عمليات اغتيال للعديد من القيادات من الداخل، وإقامة مُعسكر للمُسيّرات الانقضاضية على الأراضي الإيرانية، تم إدخالها قبل وقت طويل، وإنه تم زرع منظومات متطورة ودقيقة بالقرب من القواعد والأهداف الإيرانية الحيوية في الداخل، كل هذا يُذكّرنا بعملية البيجر في حزب الله اللبناني، ودور الموساد الإسرائيلي في توريد هذه الأجهزة إلى حزب الله اللبناني، بعد أن قاموا بتفخيخها بغية استهداف قيادات الحزب وعناصره دفعة واحدة.
لا شك أن إيران وحتى قبل هذا الهجوم الإسرائيلي الأخير عليها باتت أضعف، بعد سلسلة من الانتكاسات، التي حلّت بأصولها المادية والمعنوية في الإقليم. وفي العلاقات الدولية تعتبر هذه فرصة سانحة لكل من لديه حساب يريد أن يُصفيه معها. ويبدو جليا أن طهران كانت قد بالغت في الاعتماد على أذرعها الخارجية، كحجابات متقدمة للدفاع عنها ومواجهة أعدائها، لكن يتضح اليوم إنها ارتكبت خطأ استراتيجيا كبيرا، حين اهتمت بصنع نفوذ لها في الخارج، وتركت الداخل مُهلهلا دون حماية أمنية، إلى الحد الذي مكّن إسرائيل من إقامة معسكرات فيه وزرع قوات كوماندوز.



