
العرش الأميركي لا يتّسع لملِكَين
جورج كعدي
حرير- يريد بنيامين نتنياهو، بغروره وطاووسيته المعهودَين، منافسة “الملك” دونالد ترامب على عرشه الأميركي. بلغ الغرور به حدّاً غير مقبول في نظر الرئيس الأميركي، الذي من غير اليسير التلاعب به على ما ألف بيبي مع بايدن المتصهين الضعيف، ومع من سبقه. لا يُحبّ ترامب ألبتّة التعامل معه شخصاً يسهل التلاعب به والتأثير فيه، فهو يملك من الثقة والاعتداد بالنفس ما يقيه شرّ السقوط تحت تأثير نتنياهو وعنجهيّته المرتكزة على نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ومؤسّساته السياسية، وربّما العسكرية. لذا، حصلت في الفترة الماضية مجموعة افتراقات في التعامل مع قضايا المنطقة ومشكلاتها وعُقدها المستعصية، بدءاً بملفّ إيران النووي، وليس انتهاءً بقضية غزّة ومأساتها، مروراً بالملفّ النووي المدني السعودي الذي يعارضه نتنياهو، المعارض لكلّ شيء.
واضحٌ للعيان أنّ ترامب انزعج من نتنياهو وقرّر وقف لعبة الذيل الذي يهزّ الكلب، فأميركا هي الكيان و”إسرائيل”، مهما بلغت عتوّاً، تبقى الذيل التابع. ويرى مراقبون عديدون أن الدولة الصهيونية، واللوبي العامل لخدمتها في الولايات المتحدة، يفسدان النظام السياسي الأميركي إلى درجة مشاهدة “عبادة” نتنياهو في الكونغرس، ووقوف أعضائه أذلّاء مصفّقين، وهذا يكاد لا يحظى به رئيس الولايات المتحدة نفسه. ويعود التوتّر في العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أشهر خلت، مذ طلب المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف اجتماعاً مع نتنياهو، في 11 يناير/ كانون الثاني الفائت، فردّ نتنياهو بأنه يوم سبت، غير أن ويتكوف (وبأوامر من ترامب) أصرّ على عقد الاجتماع في موعده. ولدى زيارة نتنياهو واشنطن، ظهرت البرودة في العلاقة، والخلاف حول مفاوضات أميركية مع “حماس” من دون مشاركة “إسرائيل”، وكان الخلاف الأكبر بين الرَجلَين في برنامج إيران النووي، إذ طالب نتنياهو بـ”حلّ ليبيّ” للمسألة، أي تدمير المنشآت النووية وخوض حرب مشتركة مع الولايات المتحدة لتدمير القدرات الدفاعية الإيرانية بشكل أساس، ولم يكن له ما أراد، وكان نتنياهو غاضباً من مقاومة إدارة ترامب خطّته المتعلّقة بالتطهير العرقي للفلسطينيين.
بدأ الافتراق الأميركي الإسرائيلي بالتحرّك الأميركي للتفاوض المباشر مع “حماس”، الذي أثمر الإفراج عن الأسير مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر، فضلاً عن إطلاق المفاوضات الأميركية مع السعودية، أيضاً من دون “إسرائيل”، حول مشروع تطوير برنامج نووي مدني في السعودية، وتبعت ذلك مفاوضات مباشرة مع الحوثيين لوقف إطلاق النار، أيضاً من غير الوقوف عند رأي نتنياهو أو “استئذانه”، ما أثار حنق هذا الأخير، وتصريحه بـ”الدفاع المستقلّ عن النفس”. وتمثّلت حبّة الفراولة فوق قالب الحلوى في زيارة الرئيس الأميركي السعودية والإمارات وقطر، من غير التعريج على “تل أبيب”، القريبة و”الحبيبة”، ونادراً ما حصل ذلك في السابق مع رئيس أميركي يزور منطقة الشرق الأوسط، فلا يحجّ إلى حائط المبكى. وسبب الحَرَد هو أن ترامب كان ينتظر من نتنياهو تهدئةً في غزّة ووقفاً لإطلاق النار وللأعمال العسكرية، كي ينسب إلى نفسه الفضل في ذلك، لكنّ نتنياهو استدعى قوات الاحتياط في الجيش وأمر بالتصعيد، فذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن ترامب شعر بخيبة أمل من نتنياهو، وحتى توماس فريدمان، الحذر عادة في مقالاته عن “إسرائيل”، أشار في مقال له بعنوان “هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا”، إلى أن حكومة نتنياهو لم تعد تتصرّف صديقاً لأميركا بسبب أجندتها المتطرّفة. وليس بعيداً من ذلك، إقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز من منصبه، وهو المقرّب من الكيان الصهيوني، فضلاً عن مسألة التجسّس الإسرائيلي، ونظام سيغنال المطوّر في الكيان للتنصّت على المكالمات الهاتفية للمسؤولين والرؤساء في أميركا والعالم.
يبقى الحذر واجباً من الإفراط في التفاؤل بشأن الافتراق بين السياستَين الأميركية والصهيونية، فالخشية هي دائماً أن تكون مجرّد سحابة صيف تعبر، ثمّ نعود إلى الوئام والتطابق التاريخيين. أم أنّ شيئاً مختلفاً يحدث هذه المرّة وليست له علاقة بالكيمياء المفقودة بين شخصَين، بل بمصالح أميركية مهدّدة في منطقتنا بسبب ميوعة صهيونية وأطماع خارج نطاق المعقول والممكن؟



