السلطة الفلسطينية لا تدفع مخصصات منفذ عملية حلميش

حرير _ يقع تمييز غير مفهوم في حق بعض الأسرى الفلسطينيين، وليس ذلك منإسرائيل فقط بل من السلطة الفلسطينية نفسها. هكذا، يجد الأسير عمر العبد، منفذ عملية حلميش، نفسه من دون مستحقات تساويه بغيره من الأسرى

من منزل والديها في بلدة كوبر، شمالي غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، مكان سكنها المؤقت بعد هدم الاحتلال منزلها عام 2017، تتساءل ابتسام العبد، والدة الأسير عمر العبد، عن سبب عدم صرف المؤسسات الرسمية الفلسطينية راتبه أسوة بالأسرى الآخرين، إذ تؤكد والدة عمر أنّ هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية لم تدفع مستحقاته منذ اعتقاله في يوليو/ تموز 2017.

تقول ابتسام العبد، لـ”العربي الجديد”، إنّها تقدمت بكلّ الأوراق المطلوبة لهيئة شؤون الأسرى والمحررين بعد اعتقاله، وعادت لتقدمها مرة أخرى بعد ستة أشهر، عقب الحصول على الأوراق المطلوبة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعادت على فترات مختلفة إلى مقر الهيئة لمعاملته كبقية الأسرى، لكن من دون جدوى، وكان الرد الذي حصلت عليه أنّ الحظر جاء من الجهات العليا، من دون أن تعرف ما هي تلك الجهات.

وتنص المادتان 6 و7 من قانون الأسرى والمحررين رقم 19 لسنة 2004 على منح السلطة الوطنية الفلسطينية كلّ أسير من دون تمييز مصروفاً شهرياً داخل السجن، وأن تصرف له بدل ملابس بمعدل مرتين في العام، وأن تصرف السلطة لكلّ أسير راتباً شهرياً يحدده النظام ويكون مربوطاً بجدول غلاء المعيشة.

وفيما كان الرئيس السابق لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، عيسى قراقع، قد وعد والدة العبد بإيجاد حلّ للأمر، لم تستطع أن تلتقي حتى اللحظة برئيس الهيئة الجديد، قدري أبو بكر، الذي جرى تعيينه في أغسطس/ آب 2018 خلفاً لقراقع، بالرغم من طلبها من الموظفين اللقاء به أكثر من مرة، كما تروي.

الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ثائر شريتح، يؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ الهيئة تعمل على معالجة الموضوع، من دون أن يتحدّث عن أيّ تفاصيل أخرى حول الأسباب أو طريقة المعالجة.

قطع راتب الأسير عمر العبد يأتي بالرغم من كثير من التصريحات الرسمية، من أعلى الهرم السياسي الفلسطيني، إذ صرح الرئيس محمود عباس، أكثر من مرة، أنّه لن يسمح بخصم أو منع الرواتب عن الشهداء والأسرى، وإن بقي لدى السلطة الفلسطينية قرش واحد ستصرفه على الشهداء والأسرى وعائلاتهم. وهي تصريحات جاءت رداً على القانون الذي أقرّه برلمان الاحتلال “الكنيست”، بخصم مخصصات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة وتحولها إلى الحكومة الفلسطينية.

وبدأت إسرائيل بتنفيذ اقتطاع المخصصات منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، بعد تمسّك القيادة الفلسطينية، على لسان الرئيس عباس، بدفع رواتب عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، ورفضت السلطة الفلسطينية بعد ذلك تسلم أموال المقاصة منقوصة من الجانب الإسرائيلي، ما تسبب بأزمة مالية اضطرت وزارة المالية الفلسطينية لصرف نصف رواتب موظفي السلطة مع الالتزام بكامل رواتب عائلات الشهداء والأسرى.

والدة الأسير العبد تؤكد أنّ حرمان العائلة من حقها لم يقتصر على منفذ العملية، فشقيقه منير الذي اعتقل ثمانية أشهر عام 2017 لم يحصل على أيّ مستحقات، بخلاف الشقيق الثالث خالد الذي اعتقل مدة مشابهة وتلقى راتب أسير، إذ تقول والدتهم: “قدمت أوراق ابني منير مجدداً، إذ اعتقل مرة أخرى قبل شهرين، وحكمت عليه محكمة عسكرية إسرائيلية ستة أشهر إدارياً بلا تهمة، وأنتظر الرد من هيئة الأسرى”.

أسرة العبد التي اعتقل منها على فترات: الأب والأم وثلاثة أشقاء، وأقارب آخرون، تعيش الآن في منزل أهل أم عمر العبد بشكل مؤقت، بانتظار اكتمال بناء المنزل الجديد، الذي يشيّد على نفقة أهالي قرية كوبر، بعدما دمّر الاحتلال منزل العائلة في القرية نفسها، في أعقاب العملية.
يعيش في المنزل اثنان من الأشخاص ذوي الإعاقة هما محمد (30 عاماً) ودينا (16 عاماً) وهما شقيقا عمر، بالإضافة إلى أسرة شقيقه خالد. أما الأب عبد الجليل العبد، الذي يعمل في طلاء المنازل، فلا يملك عملاً دائماً ويعاني من تشمّع في الكبد، فيما كان عمر يعمل في كسارة ومقلع للحجارة، كأحد المعيلين الرئيسيين لأسرته، ويبقى سؤال الأمّ: “أليس عمر ابن فلسطين كلها؟ ألم تكن كلّ فلسطين تبكي على ما يجري عند بوابات المسجد الأقصى قبل أن ينفذ عمر عمليته؟”.

عمر العبد كان قد نفذ عملية طعن نوعية في 21 يوليو/ تموز 2017، في مستوطنة حلميش، المقامة على أراضي الفلسطينيين، شمالي غرب رام الله، بالتزامن و”معركة البوابات الإلكترونية” التي حاولت إسرائيل وضعها على أبواب المسجد الأقصى، وعلى أبواب البلدة القديمة من القدس، فقد أغلقت سلطات الاحتلال حينها مداخل المسجد والبلدة القديمة عام 2017، وحاولت فرض تلك البوابات لتراقب كلّ من يدخل إلى المسجد. لكنّ العبد تسلل إلى مستوطنة حلميش، بعد مشيه 2.5 كم، واجتيازه السياج الأمني للمستوطنة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة مستوطنين وجرح رابع. وأصيب العبد برصاص قوات الاحتلال بعد تنفيذه العملية، واعتقل، ولاحقاً أصدرت محكمة عسكرية إسرائيلية بحقه حكماً بالسجن أربعة مؤبدات، بالإضافة إلى غرامة بمليون و800 ألف شيكل (نحو نصف مليون دولار أميركي) كتعويض لعائلات القتلى.

وأخذت عملية العبد صدى واسعاً في الشارع الفلسطيني، خصوصاً أنّه نفذها في ظلّ “معركة البوابات الإلكترونية” ووصل الأمر إلى حدّ إطلاق الفنان محمد البرغوثي أغنية شعبية تحيي العبد وعمليته، لاقت رواجاً واسعاً في الشارع الفلسطيني. وعلى إثرها اعتقل جيش الاحتلال البرغوثي، وأصدرت محكمة عسكرية إسرائيلية بحقه حكماً بالسجن أربعة أشهر، وحكم على عضو في فرقته بالسجن عشرة أيام، وجرت مصادرة معدات الأستوديو الذي أنتج الأغنية.

مقالات ذات صلة