جربتم الحرب فلماذا لا تجربوا رد الحقوق!؟

د. صبري صيدم

كنت قد أعددت العدة لأخط مقالاً مختلفاً لهذا الأسبوع، لكن تطورات الأوضاع في غزة قد أعادتنا إلى مربع سابق لا يمكن المرور عنه مرور الكرام، مربع تقرع معه طبول حربٍ انتقامية وبمباركة واسعة، واسعة لدرجة أنها تدك ما عرفناه تاريخياً من حصون وموانع أخلاقية وإنسانية .

فقطع الدواء والمياه والكهرباء والاتصالات والإنترنت وإمدادات الإغاثة عن غزة، وقصف المستشفيات والمدارس والعيادات والجامعات والمساجد والكنائس ومحطات التنقية، لن يؤسس إلا للمزيد من الحقد والكراهية، وتنامي المزيد من الصراعات.

فماذا بعد أن أهمل العالم ضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي لعقود؟ وتجاوز صيحات الفلسطينيين؟ تناسى القرارات التي اتخذها العالم في حاضرة الأمم المتحدة؟ ليقودنا كل هذا ضمناً وفعلاً إلى تفاقم الأوضاع واشتعالها.

لقد جربتم الحروب من قبل، ببشاعاتها وكوارثها ومصائبها، فهل قادت إلى الحلول؟ أم أسست للمزيد المزيد من الحروب؟ لقد جربتم الموت فماذا عن الحياة بتفاصيلها وحقوق الناس، خاصة حقوق الشعب الفلسطيني وما يحمله ذلك من حق تأخر باستقلاله وحريته وإقامته لدولته؟ حقيقة الأمر أن العالم برمته لا يمكن إلا أن يلام لتقاعسه في التعامل بجدية مع القضية الفلسطينية، لدرجة أنه أسس لمشهد يستطيع التطرف الذي يقوده نتنياهو في دولة الاحتلال، أن يتجاوز كل الأعراف الدولية ويقطع آلاف الأميال بحثاً عن التطبيع والصفقات التجارية والممرات الاقتصادية، من دون أن ينظر إلى من هو حوله من كنتونات صنعها، وبنتستونات قسمها، بحثاً عن استدامة احتلاله، متبنياً مفهوم القيادة، بالإهمال والإقصاء والإحلال.

ولو أن الفلسطيني وجد من العالم الزخم ذاته والسرعة ذاتها، التي رآها في دعم إسرائيل إثر تطورات السابع من أكتوبر، بحيث يوظف ذاك الزخم باتجاه إنهاء الاحتلال لما وصلنا للنقطة التي نقف عندها اليوم. إن الضغط لا يولد إلا الانفجار بكل أسف وهذا ما قلناه في عدة مناسبات حاول معها نتنياهو أن يتناسى وجود شعب بأكمله، معتقداً أن التطبيع وتجاوز البند الأول من مبادرة السلام العربية سيجعل الفلسطينيين يركعون.

أعتقد جازماً أن خمسة وسبعين عاماً من الصراع كانت كافية لإثبات أن الفلسطيني لا يركع إلا لله، وأن مسيرة حفاظه على هويته، إنما تؤكد على أن محاولات الطمس لن تنجح، وأنه في نضاله لن يحقق إلا ما حققته مصائر الشعوب في الحرية والخلاص. الفلسطيني محب للحياة فهو يقاتل من أجلها، ذاق الويلات فلا يشتهيها لغيره، والفلسطيني عاشق للحرية لا يقبل بالظلم، يمتلك تراثاً وحضارة وحضوراً، لا يعوزه أن يقدم أوراق اعتماده لأحد بحثاً عن الحرية، لقد جرب العالم الحرب فلماذا لا يجرب رد الحقوق لأهلها؟ فهل يستفيق المجتمع الدولي بعد غزة؟ أم أنه سيعود إلى ثباته وتقاعسه؟ ننتظر ونرى!

 

مقالات ذات صلة