
عصيان مدني يشلّ الحياة في السودان
13 قتيلا و116 جريحا نتيجة قمع إعتصام السودان
ـ تحالف “الاتحادي” المعارض يعلن وقف التفاوض مع المجلس العسكري بالسودان عقب فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني بالخرطوم
ـ الجيش السوداني ينفذ حملة إعتقالات بين صفوف المعارضين
وكانت قوات الدعم السريع قد استخدمت، فجر اليوم، الذخيرة الحية والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع في فض اعتصام قيادة الجيش، الذي مضى عليه 60 يوماً تقريباً.
وقد أحرقت قوات الدعم السريع أيضاً، الخيام المنصوبة في محيط الاعتصام، وطاردت المعتصمين حتى الأحياء القريبة من منطقة وسط الخرطوم.
وأغلق شباب غاضبون بعد ذلك أغلبية الطرق الرئيسة في الخرطوم، وأحرقوا إطارات السيارات، استجابة لدعوة من قوى إعلان الحرية والتغيير، التي أعلنت العصيان العام والشامل، وطالبت المواطنين بالخروج في مسيرات احتجاج وإغلاق الطرق، معلنة لأول مرة رغبتها في إسقاط المجلس العسكري الانتقالي.
إلى ذلك، أغلقت كل المحالّ التجارية أبوابها، وانعدمت تماماً وسائل النقل العمومي، واضطر المئات للسير على أقدامهم لمسافات طويلة للوصول لغاياتهم.
ومبكراً، بدأت مدينة أم درمان في غرب الخرطوم عصيانها، وخرجت أغلب أحيائها رغم الصوم في تظاهرات واحتجاجات، وتم إغلاق كل الشوارع، حسب شهود عيان تحدثوا لـ”العربي الجديد”، فيما لم يتمكن الكثير من سكان المدينة من التحرك إلى مواقع أخرى.
وشهد وسط الخرطوم انتشاراً كثيفاً لقوات الدعم السريع والشرطة، التي أغلقت الطرق إلى ميدان الاعتصام.
وفي شرق الخرطوم، أغلق المحتجون شارع الستين، أكبر الشوارع في المنطقة، ومعه شارع عبيد ختم، بينما تدخلت قوات الدعم السريع، التي أطلقت الرصاص الحيّ في الهواء خلال مطاردة الشباب الذين لجأوا إلى الأحياء المجاورة، مع ملاحظة غياب كامل لقوات الشرطة والجيش، فيما أكد شهود عيان سماعهم إطلاق الرصاص أثناء بعض المطاردات.
وفي جنوب الخرطوم، وتحديداً في أحياء الأزهري وسوبا والسلمة، أغلق المحتجون طريقاً رئيساً يربط الخرطوم بمدينة ودمدني، وسط السودان، حيث لم يتمكن كثير من المسافرين الراغبين في قضاء عطلة الفطر مع ذويهم من المغادرة، وخاصة مع إغلاق الميناء البرّي الذي يسيّر الرحلات إلى خارج الخرطوم.
من جهة أخرى، أفادت أنباء من مدينة النهود بأن السلطات الأمنية تمكنت هي الأخرى من فضّ اعتصام بالقرب من إحدى المناطق العسكرية، دون ورود تقارير عن خسائر بشرية، بينما شهدت مدينة عطبرة، مهد الثورة، تظاهرات يتوقع اتساع رقعتها بقية اليوم، كما شملت التظاهرات كلاً من مدن مدني والحصاحيصا والكاملين بوسط السودان، بالإضافة إلى عشرات القرى.
بدوره، أعلن تجمّع الطيارين السودانيين (عضو تجمّع المهنيين) العصيان المدني الشامل، عقب فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني.
وجاء في البيان “تابعتم من دون شك تطورات وتداعيات العنف المفرط والمجزرة التي تمت لفض اعتصام القيادة العامة، كما تعلمون أن تجمع المهنيين السودانيين قد أعلن التصعيد إلى العصيان المدني الشامل”.
وأضاف “تجمّع الطيارين السودانيين كأحد أعمدة تجمّع المهنيين يعلن من دون أي ريبة أو مواربة العصيان المدني الشامل، من دون أي استثناء لأي رحلات كائنةً ما كانت”.
وقال بيان لقوى إعلان الحرية والتغيير إن حصيلة القتلى وصلت حتى الآن إلى 13 قتيلاً، نتيجة لتدخل قوات الأمن، فضلاً عن إصابة 116 بجراح ، بعضهم إصاباتهم خطيرة، وسط توقعات بارتفاع حصيلة الضحايا نتيجة العنف المفرط الذي استعملته القوات التي تدخلت لفض الاعتصام.
وذكرت لجنة الأطباء المركزية، المعنية بمتابعة الموقف الطبي، أنها تجد صعوبة في تقدير عدد القتلى والمصابين، وطالبت المنظمات الدولية العاملة في السودان بالتدخل لاحتواء الموقف وعلاج المصابين.
من جهة أخرى، أكد القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير صديق يوسف، تنفيذ سلطات المجلس العسكري حملة اعتقالات واسعة استهدفت المعتصمين، مشيراً إلى أن هناك أنباءً لم يتم تأكيدها عن اعتقالات طاولت قيادات في قوى الحرية والتغيير.
وأكد القيادي بالمعارضة السودانية أن قوى الحرية والتغيير أعلنت وقف كافة الاتصالات السياسية مع المجلس العسكري، وأنه لم يعد هناك من خيار غير الإضراب العام والعصيان المدني الشامل، الأمر الذي أكده بيان صدر في وقت لاحق شدد على أن المجلس “لم يعد أهلاً للتفاوض مع الشعب السوداني”.
وروى الشاب الثلاثيني محمد سليم، الذي كان متواجداً في مكان الاعتصام أمام مقر الجيش، لـ”العربي الجديد”، أنه عند الساعة الخامسة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلي بدأت وحدات من قوات الدعم السريع وقوات مكافحة الشغب التابعة للشرطة، مدعومة بعناصر تابعة للأمن الشعبي الموالي لحزب “المؤتمر الوطني” (الحزب الحاكم السابق في عهد عمر البشير)، باقتحام مكان الاعتصام، ودخلت من 3 اتجاهات رئيسية: شارع الجامعة من الجهة الغربية، وشارع النيل من الجهة الشمالية، ومن منطقة بري في الجهة الشرقية.وأضاف: “أول ما قامت به هذه القوات هو إطلاق الرصاص الحي على المعتصمين وأحياناً في الهواء لتخويف المعتصمين، إضافة إلى الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، ثم قامت بعد ذلك بالاعتداء بالضرب على المعتصمين بالعصي والسياط وأحياناً بأعقاب البنادق”. وتابع: “ثم شرعت هذه القوات في إحراق كل شيء في الميدان بما في ذلك الخيام والمسارح ومكاتب أخرى موجودة”، مؤكداً أن مكان الاعتصام ومحيطه أصبحا خاليين من أي متظاهر.
من جهته، قال الشاهد زهير الدالي، الذي كان في مكان الاعتصام ، إن قوات الدعم السريع هاجمت المكان بخطة محكمة فعزلت المعتصمين عن وحدات الجيش التي كانت مرابطة في الميدان، وأطلقت القوات المهاجمة وابلاً من الرصاص قرب الحواجز الأمنية التي أقامها المعتصمون.
وذكرت مصادر سودانية أن القوات الأمنية وقوات من الدعم السريع، شنت حملة إعتقالات واسعة بين قيادات قوى الحرية والتغيير، عقب فض اعتصام القيادة العامة بالعاصمة الخرطوم، ومن بينهم القياديان في تجمع المهنيين المعارض، محمد الأصم، ومحمد يوسف.
ومع تصاعد الأحداث، دعا تجمع المهنيين السودانيين، إلى “إعلان العصيان المدني الشامل لاسقاط المجلس العسكري الغادر القاتل واستكمال ثورتنا” حسب تعبيره في بيان له.
وأضاف أن العصيان المدني الشامل يبدأ “اعتبارا من اليوم 3 يونيو 2019 ولحين إسقاط النظام”.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير وقف كافة الاتصالات السياسية مع المجلس العسكري ووقف التفاوض، وقالت: “نعلن أنه لم يعد أهلا للتفاوض مع الشعب السوداني، وأن قادة وأعضاء هذا المجلس يتحملون المسؤولية الجنائية عن الدماء التي أريقت منذ 11 أبريل 2019”.
وحملت قوى الحرية والتغيير في بيان لها، المجلس العسكري الانتقالي “المسؤولية كاملة عن هذه الجريمة”.
وقالت في بيانها: “تواصل قوى الحرية والتغيير بروح موحدة ومتحدة أكثر من أى وقت مضى، متابعة تطورات جريمة مجزرة اعتصام القيادة، وفى هذا الصدد إذ نعلن أننا حسب الاحصاءات الأولية قد فقدنا (13) شهيداً على الأقل برصاص المجلس الانقلابي الغادر، ومئات الجرحى و والمصابين، نؤكد الآتي:
أولاً: “يتحمل المجلس الانقلابي المسؤولية كاملة عن هذه الجريمة، ونؤكد أنه خطط لتنفيذ هذه الجريمة في الخرطوم ومدن أخرى من بينها مدينة النهود حيث قامت قوات متنوعة من الدعم السريع والجيش والشرطة وكتائب ومليشيات بفض الاعتصام السلمي، ونؤكد أن منطقة القيادة الآن لا توجد بها إلا الأجساد الطاهرة لشهدائنا الذين لم نستطع حتى الآن اجلاءهم من أرض الاعتصام”.
ثانياً: “نعلن وقف كافة الاتصالات السياسية مع المجلس الانقلابي ووقف التفاوض، ونعلن أنه لم يعد أهلاً للتفاوض مع الشعب السوداني، وأن قادة وأعضاء هذا المجلس يتحملون المسؤولية الجنائية عن الدماء التي أُريقت منذ ١١ أبريل ٢٠١٩م، وسنعمل على تقديمهم لمحاكمات عادلة أمام قضاء عادل ونزيه في سودان الثورة المنتصرة لا محالة”.
ثالثاً: “نعلن في قوى الحرية والتغيير عن الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل والمفتوح اعتباراً من اليوم ٣ يونيو ٢٠١٩م ولحين إسقاط النظام”.
رابعاً: تناشد قوى الحرية والتغيير الشرفاء من قوات الشعب المسلحة والشرطة القيام بواجب حماية الشعب السوداني من مليشيات المجلس الانقلابي وكتائب ظله وجنجويده، والانحياز لخيار الشعب المتمثل فى إسقاط النظام وإقامة سلطة مدنية انتقالية كاملة.
خامساً: نناشد المجتمع الإقليمي والدولي بعدم الاعتراف بالانقلاب والانحياز لخيارات ثورة الشعب السوداني.
ومن جانبه، قال القيادي في قوى الحرية والتغيير ياسر عرمان في تصريحات له: “ما حدث اليوم أنهى مسار الحوار”.