الأردن: كفاءة في إجراءات مواجهة فيروس كورونا والرهان على وعي المواطن

أظهر الأردن كفاءة وتميزا كبيرين في اتخاذ الإجراءات الوقائية الاحترازية لمواجهة خطر تفشي فيروس كورونا (كوفيد – 19)، وذهب إلى أبعد من ذلك حين جاءت توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، بإجلاء نحو 54 أردنياً و15 عربياً كانوا عالقين في مدينة ووهان الصينية، أواخر كانون الثاني الماضي، في خطوة إنسانية لاقت تقديراً محلياً وعربياً واسعاً.
ووجه جلالة الملك عبدالله الثاني، في الـ23 من الشهر الحالي، كلمة متلفزة للأردنيين والأردنيات، ركز فيها على “أن وطننا مثل باقي العالم يمر بظروف استثنائية صعبة، تستدعي إجراءات والتزاما وتعاونا استثنائيا”، ووجهً حديثه للأسرة الأردنية الواحدة بقوله “فما عهدي بكم، إخواني وأخواتي، إلا على مستوى المسؤولية”، و”انتوا قدها”.
وتراهن الدولة الأردنية اليوم على مستوى الوعي الفردي والمجتمعي في التزام المواطنين بمختلف التعليمات والتحذيرات الصادرة من الجهات المختصة، وتحمل الجميع لمسؤولياته في هذه الظروف، بما يضمن قدرأ أكبر من السيطرة على هذا الفيروس واحتوائه ومنع انتشاره، فمنذ بدايات الأزمة، اعتمدت الحكومة خطة شمولية لتعزيز الثقة مع المجتمع الأردني حول فيروس كورونا المستجد، فكانت المعلومة الصحيحة والسريعة هي السبيل لتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن.
وفي الاتجاه ذاته، أثبتت المنظومة الرسمية الأردنية عبر تعاملها السريع مع الأوضاع الصحية المستجدة، قدرتها على تحصين المجتمع وضمان سلامة أفراده، من خلال سلسلة قرارات وإجراءات وتدابير اتخذتها الحكومة للحد من تفشي فايروس كورونا المستجد ومواجهة انتشاره.
ورصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أبرز القرارات والإجراءات والتدابير التي طبقتها الحكومة الأردنية لمواجهة هذه الحالة المستجدة على مستوى العالم.
التنبّه للخطر ..
منذ بدايات تفشي فيروس كورونا في الصين، تنبهت الحكومة ممثلة بوزارة الصحة لخطر انتقال الفيروس إلى المملكة، فاتخذت الوزارة إجراءات ووضعت تدابير وقائية وعلاجية لفحص القادمين للمملكة عبر جميع المعابر البرية والبحرية والجوية، من خلال ماسحات حرارية ثابتة ويدوية لكشف المصابين بارتفاع درجة الحرارة أو أي اشتباه بإصابتهم بهذا الفيروس.
كما سارعت الوزارة لوضع خطة شاملة مع جميع القطاعات المعنية بهذا الشأن، فعملت على تجهيز المستشفيات عبر توفير فرق متخصصة ومجهزة بملابس عزل خاصة لفحص الحالات بدقة ومنع انتقال العدوى، إلى جانب تطبيق توصيات منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص، بحسب تصريحات صحفية لوزير الصحة الدكتور سعد جابر.
وعلى صعيد متصل، عززت الحكومة قدرات القطاع الصحي من خلال دعم فرق التقصي الوبائي المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، وعملت على توفير مخزون استراتيجي من المستلزمات الطبية الأساسية اللازمة لاكتشاف الفيروس، وتطبيق الحجر الصحي والعزل، وتوفير غرف العزل المجهزة بطريقة تضمن عدم انتقال الفيروسات إلى المناطق المجاورة، فيما أطلقت وزارة الصحة خدمة خط مجاني “إسأل عن الكورونا” على الرقم (111) لاستقبال الاستفسارات حول مرض كورونا (كوفيد – 19).

إجراءات وتدابير وقائية..
وضمن سلسلة القرارات والتدابير الوقائية للتعامل مع فيروس كورونا المستجد في ظل التطورات العالمية، سارعت الحكومة لاتخاذ العديد من الإجراءات الاستباقية للحد من تفشي هذا الفيروس واحتوائه، خاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن انتشاره قد تحول إلى “جائحة عالمية”، فأعلن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في بيان صحفي في 14 من الشهر الحالي عن تعليق دوام المؤسسات التعليمية (رياض أطفال، حضانات، مدارس، جامعات، كليات، ومؤسسات ومعاهد تدريب) اعتبارا من 15 آذار ولمدة أسبوعين، وتعليق جميع الرحلات الجوية من وإلى المملكة ابتداء من 17 آذار وحتى إشعار آخر، واعتبار جميع المعابر الحدودية للمملكة البرية والبحرية والمطارات مغلقة أمام حركة المسافرين، باستثناء حركة الشحن التجاري.
وشملت هذه القرارات وقف جميع الفاعليات والتجمعات العامة، وإيقاف الصلاة في جميع مساجد المملكة وكنائسها بتوجيه من مجلس الإفتاء ومجلس الكنائس، كإجراء احترازي ووقائي، مع الالتزام برفع الأذان في وقته، وبث خطبة الجمعة موحدة عبر محطات التلفزة، ووقف زيارة المستشفيات والسجون حتى إشعار آخر، وإغلاق الأماكن السياحية والأثرية وتنفيذ حملات التعقيم فيها، فضلاً عن تعليق الفاعليات الرياضية، وإغلاق دور السينما والمسابح والنوادي الرياضية ومراكز الشباب، حتى إشعار آخر، وقرارات وقائية أخرى.
ولغايات حصر المصابين بالفيروس، فعّلت الحكومة الأردنية حزمة إجراءات صحية احترازية مشددة في إطار حماية صحة المواطنين والقادمين إلى أراضي المملكة، شملت هذه الإجراءات -التي لم تشهدها العديد من الدول الموبوءة رغم انها تملك اقتصادات ضخمة وامكانات طبية متقدمة-، خضوع جميع القادمين إلى الأردن عبر المطارات والمعابر الحدودية اعتبارا من 16 آذار للحجر الصحي الإلزامي لمدة 14 يوماً في مرافق فندقية مخصصة في منطقة البحر الميت والعاصمة عمان والعقبة، يخضعون خلال إقامتهم للإجراءات الصحية التي تعتمدها وزارة الصحة، إضافة إلى تأمينهم بجميع متطلبات الإقامة مثل؛ وجبات الطعام والأدوية وأية احتياجات أساسية أخرى.
وبلغ عدد الموجودين في الحجر الصحي الإلزامي نحو 5050، منهم 3104 في عمّان، و1923 في البحر الميت، و23 في العقبة، كما يبلغ عدد الفنادق المستأجرة لغايات الحجر الصحي 34 فندقاً (23 في عمان، 10 في منطقة البحر الميت، وفندق واحد في العقبة).
لا بد مما ليس منه بد ..
وفي تطور لافت، قررت الحكومة في 17 آذار، تعطيل جميع المؤسسات والدوائر الرسمية، باستثناء قطاعات حيويّة يحددها رئيس الوزراء، بناء على تنسيب الوزير المعني، وفق وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة.
كما قررت تعطيل القطاع الخاص باستثناء القطاع الصحي كاملاً، واتبّاع قرارات وزارة العمل بخصوص شؤون العاملين، ومنعت التجمع لأكثر من 10 أشخاص، إلى جانب منع التنقل بين المحافظات، ووقف العمليات والمراجعات الطبية، ليقتصر العمل على الحالات والعمليات الطارئة، وقررت توقيف طباعة الصحف الورقية لمنع انتقال العدوى، وتعليق عمل وسائل النقل الجماعي، وبقاء عمل الصيدليات والمراكز التموينية والمخابز، وسلاسل توريد الغذاء والدواء والمياه والمحروقات والكهرباء، وإغلاق المولات والتجمعات التجارية، والسماح فقط بفتح مراكز التموين، والصيدليات.
كما قررت الحكومة إعداد مخيّمات حجر صحي على المنافذ البرية للأردنيين العائدين عبرها، مع التأكيد على الأردنيين في الخارج البقاء في أماكنهم، واتباع إجراءات الوقاية والسلامة التي تحددها الدول المستضيفة لهم، إلى جانب إغلاق البنوك واستخدام بطاقة الصراف الآلي للسحب النقدي.
ولغايات اتخاذ الإجراءات المتعلقة بعزل أشخاص مصابين والأشخاص الذين يحتمل إصابتهم واتخاذ مختلف التدابير التي من شأنها أن تحد من انتشار الوباء، صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء، إعلان العمل بقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، في جميع أنحاء الأردن، اعتبارا من 17 آذار.
وبموجب قانون الدفاع صدرت ثلاثة اوامر دفاع لضمان عدم انتشار فيروس كورونا فتضمن أمر الدفاع رقم (1) إيقاف العمل ببعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي رقم 1 لسنة 2014، واستبداله بأمر الدفاع، وتعليق تطبيق قانون الشيخوخة في القطاع الخاص، فيما تعلق أمر الدفاع رقم (2) بحظر التجول في مختلف مناطق المملكة ابتداء من 21 آذار، بينما جاء أمر الدفاع رقم (3) لفرض غرامات مالية، وعقوبات لمن يخالف أمر الدفاع رقم (2)، إضافة إلى حجز المركبات، وإغلاق المحال للمخالفين، وتغليظ العقوبات في حال تكرار المخالفة .
كل هذه الإجراءات “المشددة” هدفت إلى منع تفشي فيروس كورونا المستجد وكسر حلقة العدوى، الأمر الذي يؤشر إلى حسن التدبير الحكومي في إدارة عملية المواجهة مع هذا الفيروس وحصر بؤر الوباء، مع التأكيد على جميع المواطنين الالتزام بالتعليمات الرسمية وأخذ هذه الإجراءات على محمل الجد لحماية أنفسهم وأهلهم ومجتمعهم ووطنهم.

نحو بيئة تعليمية آمنة..

ولضمان استمرارية المنظومة التعليمية أطلقت وزارة التربية والتعليم برنامج “التعليم عن بعد” مؤكدة حرصها على استمرار التعليم خلال فترة تعليق الدراسة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المملكة، وبما يضمن حق الطلبة في التعليم.
وعلى ذلك، أعلن وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي في 22 آذار عن بدء العملية التعليمية على منصة التعليم الإلكتروني للوزارة “درسك”، من الساعة 7 صباحاً وحتى الساعة 4 مساء، ولجميع الصفوف من الأول الأساسي وحتى الصف الثاني عشر، وبالنسبة لطلبة الثانوية العامة فعليهم متابعة الدروس وحضورها على المنصة الالكترونية الجديدة والقناة الرياضية للتلفزيون الأردني، وصولاً الى موعد الامتحانات الذي تم إعلانه من قبل.
وحول التعليم العالي، قرر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محي الدين توق إلغاء الامتحانات الجامعية المقررة خلال فترة حظر التجول، وترحيل التطبيق العملي إلى ما بعد رفع الحظر، وترك القرار لكل جامعة بتحديد موعد الامتحان الشامل ومناقشة الرسائل للدراسات العليا، وتأجيل النظر بتحديد موعد الفصل الصيفي.
الرهان على الوعي ..
منذ بدايات الأزمة، اعتمدت الحكومة خطة شمولية لتعزيز الثقة مع المجتمع الأردني حول فيروس كورونا المستجد، فكانت المعلومة الصحيحة والسريعة هي السبيل لتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن، لأن غياب المعلومات الدقيقة والموثوقة من المصادر الرسمية هو ما يثير مخاوف المجتمع بوجه عام.
وحصرت الحكومة التصريحات الصحفية بوزير دولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة، الذي يطل علينا يومياً إلى جانب الوزراء المختصين في مختلف الشؤون لتقديم إيجازات صحفية تتسم بالشفافية والوضوح، وتجيب على تساؤلات المواطنين، وتتناول آخر المستجدات والقرارات الحكومية المتخذة في ظل الأزمة.
ولم يغب الجانب التوعوي والإرشادي عن ذهن الدولة الأردنية، فانعكست جديتها في التعامل مع خطر تفشي هذا الفيروس منذ البداية في إطلاق سلسلة من الرسائل الإعلامية التي تحمل العديد من التحذيرات والتدابير الوقائية والعلاجية التي يجب على المواطن اتخاذها، وعمدت مختلف المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة إلى توصيل هذه الرسائل وتوضيحها، إلى جانب إعداد مجموعة كبيرة من التقارير والتحقيقات والمقابلات الصحفية لتوضيح خطورة فيروس كورونا المستجد وكيفية احتوائه بالتعاون مع وزارة الصحة والجهات المعنية.
وبذات الاتجاه، وجه جلالة الملك عبدالله الثاني، في 23 من الشهر الحالي، كلمة متلفزة للأردنيين والأردنيات، ركز جلالته فيها على “أن وطننا مثل باقي العالم يمر بظروف استثنائية صعبة، تستدعي إجراءات والتزاما وتعاونا استثنائيا”، وموجهاً حديثه للأسرة الأردنية الواحدة بقول جلالته “فما عهدي بكم، إخواني وأخواتي، إلا على مستوى المسؤولية”، و”انتوا قدها”.
كما أكد جلالة الملك خلال الكلمة بأنه على ثقة بأننا سنتجاوز، بمشيئة الله، هذه الظروف، مبيناً جلالته “وجهت الحكومة وقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، للتعامل مع هذا الخطر بأعلى درجات الجاهزية”، كما أشاد جلالته بجهود الأردنيين الذين يرتقون بأدائهم في جميع مواقعهم، حيث يصلون الليل بالنهار في مواجهة هذا الخطر.
وأشار جلالة الملك إلى أن “الأردنيون يقفون صفا واحدا مع إخوانهم وأخواتهم في قواتنا المسلحة، وقفة عنوانها، كرامة الإنسان الأردني، الكرامة التي قاتل وضحى من أجلها الأردنيون جميعا”، فيما توجه جلالته للشعب الأردني بقوله “أطلب منكم بصوت الأب لأبنائه، عدم التنقل والالتزام بالتعليمات الرسمية”، وصولاً لحماية الوطن الذي نحب عبر التفاني في التضحية والعطاء.
واليوم ورغم صعوبة الظرف، إلا أن المواطن الأردني تصدّر جميع الأولويات الوطنية، لتجنيبه الإصابة بهذا الوباء العالمي والحفاظ على صحته وسلامته، وهو ما أكده جلالة الملك منذ بدايات الأزمة بقوله “ما عندي أهم من سلامة المواطن الأردني”.

مقالات ذات صلة