تحت الضوء

د. هاشم غرايبة

حرير- يعتقد أغلب الناس أن #العالم اليوم أفضل حالا منه في الماضي، بسبب توفر #وسائل_الرفاهية والعناصر المسهلة لحياة البشر، مع ذلك فالبشر متعبون نفسيا أكثر، بل يفتقدون ما كانوا ينعمون به سابقا من راحة البال والاطمئنان. فما تفسير ذلك!؟.

لقد ثبت تاريخيا أن #الركود_الاقتصادي و #الكساد وتبدد #الثروات فيما لا ينعكس خيرا على الناس، هو سبب القلاقل والنزاعات، والمحرك الأول للحروب والصراعات العسكرية.

لأجل ذلك كانت فلسفة #الاقتصاد في الدين الذي أنزله الله للبشر، أن المال لله واستخلف فيه الناس لنفعهم وليس لتكديسه في أيدي قلة منهم، والاقتصاد الإسلامي يسعى لتحقيق ذلك المفهوم.

يقول البروفيسور محمد يونس (أستاذ الاقتصاد في جامعة شيتاجونج وهي واحدة من الجامعات الكبرى في بنغلاديش)الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006: “في عالم اليوم هنالك ثمانية أشخاص يملكون 50 % من ثروة العالم، وهنالك 99 % من الثروة تتركز في ستة بلدان فقط، .. هل هذا #نظام_اقتصادي سليم؟ ..إنه #قنبلة موقوتة!”.

نوال هذا الرجل الجائزة كان بناء على حلوله الاقتصادية الناجحة، التي اعتقد الغرب أنه ابتدعها، لكنها في الحقيقة كانت فهما معاصرا لمبادئ الاقتصاد الإسلامي.

بدأت القصة عندما شاهد امرأة مسنة تعمل في تصنيع كراسي القش، سألها فوجد أنه تحصل من كد يوم كامل ما يعادل 20 سنتا أي ما يكفيها ثمن طعام يومها فقط، وجد أنها أخذت تمويلا من البنك تعجز عن تسديده في موعده، لذا فالتسديد مع الفوائد المتراكمة يستهلك 80 % من دخلها، أي أن معظم جهدها يذهب للمقرض، فكأنها تعمل بالسخرة مقابل قوتها.

تساءل: هل وجد الإنسان ليعمل لغيره أم لنفسه؟، لماذا لا يقرض من يملكون فائضا من المال الفقراء، لأجل تحسين أوضاعهم ويستردوا أموالهم من غير خسارة؟.

طبعا فهو يعرف أن هذا من صلب فلسفة الإقتصاد الإسلامي، الذي يقول أن المال مال الله استخلفه للناس لنفع المجتمع، ونقيضه الإقتصاد الرأسمالي الذي يعتبر المال ملكية شخصية وحق لمالكه يستثمره كما يشاء.

في البداية قام مستعينًا بأحد طلابه بإجراء استطلاعٍ سريعٍ بالتجول بالقرى الفقيرة، فرصد أربعين شخصًا ممن هم بالفعل على شاكلة تلك العجوز، قام بإقراضهم من ماله بضمانات بسيطة، وما أثار اندهاشه أن كل من أقرضهم قاموا بإعادة المبالغ التي اقترضوها، حاول اقناع البنوك المحلية بفكرته فسخرت منه، إذ أنهم مقتنعون بالفكرة الرأسمالية: أن الفقراء سبب فقرهم الكسل، فلا يستحقون العون، فأنشأ بنكا صغيرا أسماه (غرامين) أي بنك القرية، لإقراض الفقراء قروضا حسنة (بلا فوائد) لا تتجاوز 200 دولار، ويسترد المبلغ ليعاود إقراضه لآخرين.

في عام 1976، بدأت تجربته، وواصلت مؤسسته العمل لتأمين قروض من البنوك الأخرى لمشاريعها، رغم معارضة المتشددين الذين يرفضون خروج المرأة للعمل، حيث وصل عدد المقترضين بحلول عام 1982 الى (28,000) مقترض معظمهم نساء، وبحلول عام 2007 كان بنك غرامين قد أقرض 6.38 مليار دولار لـ 7.4 مليون مقترض، ولضمان السداد، يستخدم البنك نظام “مجموعات التضامن” لدعم جهود بعضهم البعض في النهوض بالاقتصاد الذاتي.

اقتنع المُحكمون لجائزة نوبل بأن هذه التجربة نجحت في تحسين واقع مجتمع مدقع الفقر، فمُنحت له.
بالنسبة لنا، لم نقتنع بذلك، فما زلنا نتبع منهج الرأسمالية، لكن يفترض أن نتعلم من هذه التجربة أنه رغم أن زمن المعجزات الإلهية انقضى بعد إذ انقطعت النبوات، لكن الله قد يجريها على يد البشر، إذا توفرت شروطها:

1 – الإيمان بالله العادل الذي يجزي المخلصين نجاحا في الدنيا ومثوبة في الآخرة.
2 – وأن في المنهج الإلهي (الدين) حلولاً لكل مشكلات البشر.
3 – تشغيل العقل لاستنباط الحلول المعاصرة من هذا المنهج، مع الاستفادة من التجارب البشرية والخبرات التي راكمتها المعرفة (العلم).

لا شك أن لدينا في الأمة كثيرين من أمثال “يونس”، كما يختزن النظام الإقتصادي الإسلامي كثيرا من الحلول لمشكلاتنا، وأفضل بكثير من الحلول الرأسمالية، لكن فريقين من بيننا يحولون دون ذلك:

الأول حرس للعلمانية أشداء أقامهم علينا المستعمر هم الأنظمة ومؤيديهم للصد عن منهج الله.

والثاني حرس للنصوص الفقهية القديمة، أعطوها ما للنصوص المقدسة من قدسية، فأغلقوا دونها باب الإجتهاد.

مقالات ذات صلة