كأن الجميع سقط في البئر… سليمان المعمري – كاتب عُماني

حتى وقت نقر هذه السطور (الثانية عشرة ظهرا من يوم السبت) لم يخرج ريان من البئر، ولم يصل بعد الخبرُ الذي انتظرناه طويلا: تكلّل جهود إنقاذه بالنجاح. لكننا لم نفقد الأمل، بعضنا سهر البارحة حتى الصباح أمام شاشات التلفاز متابعًا ما يجري في مدينة شفشاون المغربية أولًا بأول، وحتى أولئك الذين داهمهم النوم وهم يترقبون النهاية السعيدة للحدث كان أول ما فعلوه بعد الاستيقاظ البحث في الهاتف عن هاشتاج #أنقذوا_ريان علهم يجدون البشرى المنتظرة.

 

وسواء وصلت البشرى اليوم أم كان لله إرادة أخرى فإن أهم ما يمكن قراءته من هذه المأساة أن العالم الذي حبس أنفاسه منذ سقوط الطفل في البئر مساء الثلاثاء الماضي، لايزال بخير، وأن الإنسانية التي لطالما نعيناها وشيعنا جثتها لم تمت بعد. كأن الجميع سقط في البئر. كأن الجميع هم خالد أورام وزوجته الصابرة وهما يرفعان إلى الله أكف الدعاء أن يعيد إليهما طفلهما سالما مُعافى .”الجميع يحاول إحياء هذه الروح البشرية التي هي قاب قوسين أو أدنى من أن تغادرنا” كما وصف الأمر صحفي من شفشاون. هبّة إنسانية تضامنية من المحيط إلى الخليج، ومتابعة حثيثة لتطورات مساعي إنقاذ الطفل الذي أصبح أيقونة الوحدة الإنسانية (ولا أقول العربية والإسلامية فقط)، وباتت صوره والرسومات المستوحاة منها عناوين وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أيام. هذه الهبة لخصها الشاعر المغربي عبداللطيف الوراري في بيت من الشعر:

فهذي جموعُ الشّعبِ أنْدَتْ أَكُفَّها

بُكِيّاً ووجه الأرض منها تَفسّخا

منذ عرف والدا ريّان –بعد بحثٍ مضنٍ عنه- أنه سقط في بئر جافة يزيد عمقها عن ثلاثين مترًا، والأشغال في شفشاون لا تتوقف. كل المغرب، شعبا وسلطات، بذلوا المستحيل في محاولات الإنقاذ. استُعين بعدة آليات للحفر، وعشرات من أفراد الوقاية المدنية، ومتخصصين في ارتياد الكهوف، وخبراء ومسّاحين طبوغرافيين حددوا مكان الطفل بدقة، وأرسلوا له أنابيب الأكسجين، هذا عدا المروحيات وسيارات الإسعاف والفرق الطبية التي تنتظر ريّان لنقله للمستشفى فور إنقاذه. كل هذا تابعناه أولا بأول من خلال تغطية الفضائيات الإخبارية والصحف والمواقع الإلكترونية المستمرة أولًا بأول.

بالتأكيد لم يَخْلُ الأمر، وكما هي حال كثير من الأحداث ذات الطابع الإنساني، من انتهازيين على الصعيدَيْن السياسي والإعلامي؛ فعلى الصعيد الأول شاهدنا من يتهم هؤلاء المتضامنين مع ريّان والمشغولين به بالنفاق والازدواجية، واضعًا صورًا لأطفال آخرين عانوا من حروب أو مجاعات، وكأن الصلاة من أجل أن يخرج طفل من بئر تعني بالضرورة الوقوف ضد أن يحيا غيره من الأطفال في أمن وسلام. أما على صعيد الإعلام فقد رأينا مواقع وصحفًا صفراء كثيرة تدعي النقل المباشر لعملية الإنقاذ، بل إن بعضها فبرك صورًا وفيديوهات وادعى إنقاذ الطفل متلاعبًا بمشاعر الملايين لمجرد كسب متابعين جدد. أما الأدهى والأمر في الشأن الإعلامي أن تخون اللباقة بعض مذيعي الفضائيات فيطرحوا على أم مكلومة لم تنم من الهلع منذ عدة أيام سؤالًا من قبيل: “هل لديك أمل أن يخرج حيًّا؟!”

أتمنى أن يخرج ريّان حيّا لتقرّ عين أمه ويفرح قلب أبيه، ونتنفس جميعًا الصعداء.

* صحيفة عُمان

*سليمان المعمري كاتب و روائي عماني

 

مقالات ذات صلة