الصين التي تشتري الذهب والحرب معاً

جيرار ديب

حرير- قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مايكل ماكول إن إرسال قوات أميركية إلى تايوان سيتوسّط الخيارات المطروحة أمام واشنطن، إن تعرّضت تايوان للغزو الصيني. وجاءت هذه التهديدات بعد أن أطلقت الصين مناوراتها متوعّدة برد “حازم” بعد اللقاء بين رئيسة تايوان تساي إنغ ون ورئيس مجلس النواب الأميركي جون مكارثي في كاليفورنيا، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع التايوانية.

وكانت الولايات المتحدة قد حذّرت من تجاوز الخط الأحمر في علاقات البلدين فيما يخصّ تايوان. وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إن “الولايات المتحدة وتايوان تآمرتا من أجل تعزيز علاقاتهما، الأمر الذي يمسّ بصورة خطيرة بالسيادة الصينية، ويشكّل مؤشراً يدلّ على دعم الانفصاليين التايوانيين”. وستعمل الولايات المتحدة على إشعال حرب في تلك البقعة الجغرافية من العالم، فهو مطلبها الذي يهدف إلى احتواء الصين في حربٍ مع الجزيرة، فالحرب هناك ستكون من ضمن الاستراتيجية التي وضعتها إدارة بايدن، والتي أدرجت في برنامجه الانتخابي ضرورة احتواء القوى الصاعدة الروسية والصينية.

لا توفّر الولايات المتحدة أسلوباً استفزازياً إلا وتعتمده مع الصين، تحديداً في جزيرة تايوان لضرب المبدأ الذي تطلقه الصين “بلاد واحدة”. وقد دفع الاستفزاز الأميركي في بحر الصين الجنوبي بكين في 7 الشهر الماضي (مارس/ آذار) إلى إطلاق تدريباتٍ عسكريةٍ تستمر ثلاثة أيام في مضيق تايوان، قال الجيش الصيني إنها تشكّل “تحذيراً صارماً” موجّهاً إلى القوات الانفصالية في الجزيرة المدعومة. وذكر المتحدّث باسم الجيش شي يي في بيان إن “هذه العمليات هي بمثابة تحذير صارم ضد التواطؤ بين القوى الانفصالية الساعية إلى استقلال تايوان والقوى الخارجية وضد أنشطتها الاستفزازية”.

وقد دخل الصراع الأميركي – الصيني على قيادة النظام الدولي مرحلة متطورة من الجانب الصيني، إذ تتصدّر الصين اليوم مشتريات الذهب عالمياً للشهر الخامس على التوالي، فمنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اشترت الصين 120 طناً من الذهب، هذا ويبلغ إجمالي الاحتياطي الصيني من الذهب الآن 2068 طناً. ويأتي هذا آخر تحديث للاحتياطي الصيني بعد أن ارتفع احتياطي الذهب العالمي بمقدار 52 طناً في فبراير/ شباط، مرتفعاً عن الشهر الحادي عشر على التوالي، حسبما قال مجلس الذهب العالمي الأسبوع الماضي. ويرى محلّلون إن هيمنة الصين على سوق المعادن الثمينة يغير المشهد الاستثماري تمامًا ويخلق قيمة مضافة للمستثمرين.

ستستمرّ الصين في بناء احتياطي الذهب الرسمي لها، في إطار سعيها إلى بناء مصداقية لليوان الصيني في ظلّ منافسته للدولار كعملة احتياطي عالمي، وتبنّيها في التجارة العالمية. بالتوازي مع ذلك، عمدت الصين إلى إحداث توافق بين مجموعة دول “بريكس” للاستغناء عن الدولار بوصفه عملة تبادلية في التجارة الدولية بين أعضاء هذه المجموعة، والاعتماد على اليوان الصيني، أو عبر التبادل بعملات الدول المحلية.

لا أحد إلا ويعلم أن تلك التوجّهات الاستراتيجية للصين على المديين، المتوسّط والطويل، تهدف إلى إعادة “ترتيب النظام الدولي” بما يتناسب وصعودها قوة أساسية. ففي الأشهر الأخيرة، بدأ الحديث عن “الممرّ الأوسط” الذي يربط الصين بأوروبا يعود إلى الواجهة مكتسباً مزيداً من الزخم، وهو ممرٌّ تجاري يتوقع له خبراء أن يغيّر ملامح التجارة في آسيا وأوروبا.

بعد الغزو الروسي أوكرانيا، وفي ظلّ محاولة الدول الأوروبية الضغط على روسيا اقتصادياً بكل الوسائل الممكنة، باتت الحاجة الغربية ماسّة إلى عزل موسكو واستخدام طريقٍ يربط أوروبا بالصين من دون الحاجة إلى المرور بروسيا، ومن ثم بدأ الممرّ الأوسط يكتسب كل هذا الزخم الذي تقود ألمانيا الجهود لتطويره.

قد تشعر الولايات المتحدة بأن المنافسة الجدّية مع الصين بدأت تأخذ شكلاً مختلفاً، لا سيما أن حلفاء أميركا، الأوروبيين تحديداً، لا يشاركونها النظرة العدائية تجاه الصين، فبالنسبة إلى الدول الأوروبية ستبقى الصين عصب اقتصادهم في ظلّ الصعود المستمر. كما إنها اليوم حاجة الأوروبي لإنهاء الحرب على أراضيها، فالزيارة المشتركة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى الصين جاءت في هذا الخصوص.

بات التنافس الصيني الأميركي ينحرف عن مساره، ليأخذ شكل الصراع بين الدولتين، الأمر الذي ينعكس سلباً على العالم، إذ حذّر تقرير بيان صادر عن صندوق النقد الدولي عن “آفاق تنمية الاقتصاد العالمي” من أن التشرذم الجيوسياسي الناجم عن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يؤدّي إلى “تفتيت العالم” وزيادة الفقر فيه.

يقف العالم على شفير الحرب الكبرى، حيث الصدام الحتمي بين الصين والولايات المتحدة على قاعدة “مصيدة ثيوسيديدوس”، فالصين التي تشتري الذهب لتسجل أعلى مستوى احتياط لهذا المعدن في العالم، تشتري الحرب أيضاً انطلاقاً من “إزاحة” الهيمنة الأميركية عن النظام العالمي، ولو بالقوى العسكرية، فالأميركي لن يوفر جهداً لجلب الصين إلى ساحة الصدام المسلّح مع جزيرة تايوان، بهدف استنزافها كما هو الحال مع حليفها الروسي في حرب أوكرانيا.

تدرك الولايات المتحدة أن الحلّ الوحيد مع النمو السريع للاقتصاد الصيني ودخوله مناطق نفوذها، لا سيما في الشرق الأوسط، هو العمل العسكري، لأن استمرار المهادنة مع بكين لن يصل إلا إلى فرض النفوذ الصيني، واستمرار بوتين في حربه في أوكرانيا، بعدما وجد في الاقتصاد الصيني ملاذاً آمناً لتمويل حربه في شرق أوروبا. لهذا، يتجه العالم بانزلاق سريع نحو الصدام الكبير، إذ إن المناورات الصينية والحشد العسكري الغربي دعماً لتايوان لا ينتظران سوى شرارة البداية.

مقالات ذات صلة