عندما يغيب اليقين.. مأزق شباب بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وكشفت نتائج المسح الذي أصدرتها دار الساقي مؤخرا في كتاب بعنوان “التأقلم مع عدم اليقين: الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، عن العديد من التحديات التي تواجه الشباب من المنطقة في شتى المجالات.

ومع ذلك، أظهرت نتائج الاستطلاع أن الشباب العربي يجد طرقا وبدائل للتعامل مع الظروف الصعبة ويكتشفون حلولهم الخاصة للتقدم، ويتطلع الكثير منهم إلى المستقبل بثقة على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية الكبيرة والنطاق الضئيل للمشاركة السياسية والعنف والحرب والفقر والجوع في بعض البلدان.

المجتمع والوطن
تظهر اللقاءات التي قام بها 450 عاملا في الاستطلاع أن الشباب يرغبون في تطبيق القانون والأمن والنظام العام كأولوية، وفي مستوى معيشي جيد وعلاقات أسرية مبنية على الثقة مع شركائهم وعائلاتهم.

ورغم أن نسبة لا بأس بها من المستطلعة آراؤهم مروا بتجارب “التوقف الحياتي” بسبب الحرب أو التهجير، فقد عبر أغلبهم عن التوق إلى الحرية والرغبة في الانتماء للمجتمع والتركيز على النجاح والإنجاز.

وقالت نسبة كبيرة من الشباب إنهم يستمدون الثقة من الإيمان، وإن الثقة بالله هي مبعث التفاؤل بالمستقبل وهي مسألة شخصية مهمة للغاية بالنسبة لهم.

وتضيف الدراسة أنه بسبب التراجع الهائل في الأمان الوظيفي، أصبحت الأسرة ذات أهمية متزايدة كنظام حماية اجتماعي واقتصادي، ويعول أغلب المستطلعة آراؤهم كثيرا على أطفالهم، ويخططون لتغييرات طفيفة في طريقة تربيتهم، ويولون أهمية خاصة لاختيار الزوج.

الدين والتدين
يرتبط التوجه للتدين لدى شريحة من المستطلعة آراؤهم في المدن الكبيرة والفئات الاجتماعية المتعلمة بالانتهاء من مرحلة الدراسة، وتظهر نتائج الدراسة المنشورة بواسطة المؤسسة الألمانية أن الشباب الأقل تدينا ينحدرون من الأسر التي تنخفض فيها مستويات التعليم ومن الطبقات المتوسطة الدنيا، أو طبقات المجتمع الأكثر فقرا.

وبالنسبة للشباب، لا يرتبط الدين كثيرا بالأهداف السياسية أو الأيديولوجية، ولكن قبل كل شيء بالإحساس الفردي والانضباط الذاتي. ويُنظر للدين بشكل متزايد على أنه روحانية وليس تعبيرا عن أيديولوجيا أو توجه سياسي، ويصبح الشباب أكثر تدينا -بحسب الدراسة- لكن على مستوى أكثر فردية وبعيدا عن سياقات التدين الجماعي واليوتوبيا.

الاقتصاد والهجرة
يواجه الشباب المستطلعة آراؤهم مشاكل اقتصادية كبيرة وفرص صعود محدودة، ويتأثر الشباب بثلاث ديناميات أساسية تتمثل في قلة الأمان الوظيفي، وتزايد الاستقطاب الاقتصادي، وخيبة الوعود بتوفر الفرص والوظائف بعد التعليم.

ويظهر الاستطلاع أن الطبقة الوسطى العربية -التي كانت عامل مهم لعقود من الزمن- تتفكك الآن في أعقاب عقود من السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة.

حتى مع تحسن التعليم بشكل كبير، أصبح الترقي الاجتماعي بعيد المنال بالنسبة للكثيرين، وبدلا من ذلك يسير فقدان الوظائف في القطاع العام جنبا إلى جنب مع غياب الرفاه العام.

ومع استبعاد الطلاب فإن ثلث الشباب المستطلعة آراؤهم في ثمانية بلدان يعملون بشكل منتظم، بينما وجد ثلثيهم لا يعملون أو يعملون بشكل مؤقت، وبالنسبة للعاملين يشتكي نصفهم تقريبا من عدم الأمان الوظيفي.

وتواجه الأسر الشابة مشاكل اقتصادية هائلة، ويتزايد الاعتماد على العائلة.

ويظهر الاستطلاع أن أقل من 10% من المستطلعة آراؤهم مصممون على الهجرة بقوة، بسبب أوضاعهم غير المستقرة في بلدانهم، بينما يعاني آخرون من النزوح القسري بسبب ظروف الحرب.

السياسة والمشاركة المجتمعية
ويكشف استطلاع الآراء عن كون وسائل الاتصال والهواتف النقالة تستخدم عادة لأغراض شخصية ولتعزيز العلاقات الاجتماعية، وهناك ميل متزايد من الشباب للانسحاب من السياسة اليومية.

وفي الوقت نفسه، لا تزال الوسائط التقليدية -مثل التلفزيون- مؤثرة رغم أنها غالبا ما تكون خاضعة لسيطرة الدولة، ولا تزال تلعب دورا حاسما بالنسبة للشباب الذين لديهم تعامل محدود مع الإنترنت.

ورغم أن ثورات الربيع العربي أظهرت انفتاحا شبابيا عربيا على المشاركة السياسية، لكن في أعقاب تجارب السنوات الأخيرة نأى غالبية الشباب المستطلعة آراؤهم عن السياسة مؤكدين عدم اهتمامهم بها.

ويرغب الكثير من الشباب في رؤية الدولة تلعب دورا أكثر نشاطا، خاصة في مجال الضمان الاجتماعي.

ومع ذلك وعلى الرغم من خيبة الأمل الواسعة النطاق خلال السنوات القليلة الماضية، لا يزال الشباب على استعداد للمشاركة ولعب دور نشط، ويرصد التقرير المجالات التي ينشطون فيها من السياسي إلى الأهداف الاجتماعية والاقتصادية.

ويهتم الشباب قبل كل شيء بتأمين احتياجاتهم الأساسية والعيش في بيئة خالية من العنف، ويركزون في المقابل بشكل أقل على الحريات السياسية والمدنية.

ويسعى كثير من الشباب المستطلعة آراؤهم للمشاركة النشطة في القضايا الاجتماعية لكن خارج إطار المؤسسات والمنظمات والمجتمع المدني التي تبدو أقل جاذبية بالنسبة لهم، ويميل الأثرياء منهم إلى المشاركة بفعالية أكثر من أقرانهم الأقل ثراء.

واختتم الاستطلاع بالقول إن أغلبية الشباب المستطلعة آراؤهم لديهم روابط عاطفية قوية مع أوطانهم، ولديهم موقف إيجابي من الحياة، وعلى استعداد لتحمل المسؤولية والمشاركة بنشاط في معالجة القضايا الاجتماعية.

مقالات ذات صلة