فن الرسم بالرمل… إبداع يعكس تراث الأردن

حرير- من بين العديد من الفنون الإبداعية الرائجة في الأماكن السياحية، بما فيها تلك التي في الأردن، برز منذ عشرات السنين فن الرسم بالرمل الصحراوي داخل قوارير زجاجية. هذا الفن الدقيق بقدر دقة حبيبات الرمل الناعمة وانسيابية حركتها، يجمع في الوقت نفسه بين كونه موهبة مميزة نادرة وبين تحوله إلى حرفة مهنية يعتاش منها متقنوها.

يمكن القول إن الفنون تتنوع في الأردن، بعضها مستحدث، فيما بعضها الآخر أتقنه أصحابه عبر توارثه من جيل إلى جيل، كما هو الحال بالنسبة لفن الرسم بالرمل، لتتشكل بحبيباته أجمل اللوحات وأكثرها إتقانا وإبداعا.

يعود تاريخ هذا النوع من الفن في الأردن إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حيث انتشر متقنوه داخل المواقع والوجهات السياحية الأكثر شهرة في البلاد كالعقبة والبتراء (جنوب)، وجرش (شمال)، وغيرها.

مراسل الأناضول زار السوق الحِرفي عند مدخل مدينة جرش الأثرية والتقى صلاح جميل عبيد (59 عاما)، الذي يعد هناك أحد أقدم فناني الرسم بالرمل داخل الزجاج.

خلال حديثه، يروي عبيد أنه تعلم هذا الفن إضافة إلى حرف يدوية أخرى دون معلم منذ عام 1995، إلا أنه وجد نفسه فيه.

وبطريقة تنم عن فخره بمستوى إتقانه لما يقوم به، قال عبيد: «أتعلم أي حرفة بسرعة كبيرة، فأنا أجيد التطبيق، وقد تعلمت بنفسي هذا الفن». وأضاف: «اخترت هذا الفن للاستمرار به لأنني أحبه وأعشق الصحراء، إضافة إلى أنها موهبة سهلة لمن يريد العمل فيها.

وتابع «هذا الفن وهذه الحرفة كانت في فترة سابقة تقتصر على الأردنيين، وخاصة في العقود الأولى من القرن الماضي، ومن ثم بدأت الدول الأخرى تتعرف عليها».

وعن المواد المستخدمة فيه، بيّن عبيد أنها «رمل الصحراء الناعم بألوان طبيعية، ومنها ما يتم صبغه لتعزيز الرسومات بألوان إضافية». واستدرك «أما العبوات الزجاجية، فبعضها صناعة محلية وأخرى من الصين، وهي بأحجام صغيرة ومتوسطة».

و«على الرغم من أنها حرفة قديمة، لكن الإقبال عليها مستمر، خاصة من السياح وزوار المهرجانات وطلبة المدارس والجامعات»، وفق عبيد.

وحول المدة التي تحتاجها كل زجاجة لتعبئتها بالرمل، أوضح بأنها «تعتمد على الرسمة التي في داخلها، ولكن إجمالا لا تستغرق أكثر من 4 دقائق». وأردف «أستطيع تعبئة 100 زجاجة في اليوم الواحد، وفي بعض الأوقات يزيد على ذلك، وحسب مستوى الإقبال على المكان الأثري، وطبيعة الرسمة التي يطلبها الزائر».

أما عن الرسوم، فقال: «إن غالبيتها مناظر طبيعية وورود، ودائما ما يكون معها الجمل الذي هو رمز الصحراء».

وفيما يتعلق بأسعار تلك الزجاجات، أوضح أنها «تبدأ من دينار واحد (1.4 دولار أمريكي)، وتصل إلى 20 دينارا (28 دولارا)». ويتابع أن مهنته أعانته على مصاريف حياته، واستطاع من خلالها أن يكمل تعليم أبنائه الستة في الجامعات، مشيرا إلى أنها مهنة رئيسية لبعض أولاده في الوقت الحالي خارج الأردن.

ولا يقتصر إنتاجه ونشاطه الفني على الداخل الأردني، بل يتخطاه إلى عدة دول من خلال المشاركة بمعارض فنية. وعن ذلك قال عبيد «مثلت الأردن في أكثر من معرض خارجي في تركيا والبحرين والسعودية ولبنان والإمارات، وغيرها من الدول».

جمال هذا الفن جعله ينتشر لدرجة أن زجاجة الرمل المزين باتت تعتبر من أبرز الهدايا التي تشهد إقبالا واسعا من قبل السياح على اختلاف جنسياتهم. وعلى الرغم من كثرة الحرف الموجودة في المكان، إلا أن السائحة الفرنسية كلاري ياني (62 عاما)، شدها ما يقوم به عبيد. وقالت ياني، التي تعمل ممرضة في بلادها، «هذه المرة الأولى التي أرى فيها هذا الفن الرائع، هناك سحر بطريقة تعبئة الرمل والرسم».

صحراء وسماء وغروب شمس ومواش، مخلوقات وطبيعة تزهو بألوان الرمال، يمكن أن تتجلى داخل قارورة زجاجية بأنامل متقني هذا الفن، لتظهر مدى الروعة والجاذبية التي ترتسم بأبسط المواد.

إلى جانب الوجه الإبداعي تمثل زجاجة الرمل بأشكالها الجميلة دلائل تاريخية وتعكس التراث الأردني. ويعبر عبيد عن أمل محترفيها بأن تحظى حرفتهم بدعم رسمي للحفاظ عليها بصفتها جزءا من موروث بلادهم.

مقالات ذات صلة