الإذاعيون والحسين في يوم الوفاء والبيعه .. حاتم الكسواني

تكاد ذكريات الإذاعيين الأردنيين في عهد الحسين تتشابه مع بعضها البعض حيث حظي  معظمهم بإتصال هاتفي من جلالة المغفور له معهم في برامجهم التي تبث على الهواء مباشرة ،  أو عاشوا  أياما مشهودة سجلوها في دفاتر أيامهم علامة بارزة ، وهي تلك الأيام  المتكررة التي تمت فيها دعوتهم للديوان الملكي العامر لملاقاة قائدهم ومعلمهم وسماع توجيهاته السامية أو تعليقاته وملاحظاته حول أدائهم .

لم يكن الحسين شخصا عاديا بل كان قائدا ملهما صاحب فلسفة في الحكم و رؤيا ثاقبة مكنته من تلمس أهمية الإعلام في عملية التوجيه والبناء الوطني ، فحرص أن يكون الأردن سباقا في إمتلاك وسائل الإعلام وأدواته لتوظيفها في خدمة التنمية الوطنية وخططها وخدمة مواقف الأردن السياسية و بناء رأي عام مستنير بين اوساط المجتمع الأردني .

من هنا كان إهتمام جلالة المغفور له الحسين بمتابعة برامج الإذاعة الأردنية لتلمس مشاكل المجتمع والتعرف على رأي الناس بكل القضايا الوطنية ، كما إهتمامه بالإجتماع مع الإذاعيين والصحفيين بين حين وآخر بإعتبارهم قادة رأي عام لا بد من تزويدهم بالمعلومات والحقائق من رأس الدولة الأردنية لإيصالها للناس واضحة جلية لا لبس فيها .

وأنا شخصيا كباقي زملائي حظيت بإتصاليين هاتفيين من جلالة المغفور له الحسين أثناء فترة عملي كمعد ومقدم لبرنامج البث المباشر الإذاعي كما حظيت بعديد من اللقاءات برفقة زملائي الإعلاميين للديوان الملكي العامر .

الإتصال الأول لجلالته كان عند إتصال أحد المواطنين من الولايات المتحدة الأمريكية يشكو تأخر البريد الأردني من إيصال حليب حياتي أرسله  لطفله بإسم ” أيسوميل أو أيزوميل  ” فقام البرنامج بالإتصال بالبريد الأردني وتم تحويله إلى قسم العلاقات العامة الذي أبدى المسؤولين فيه بيروقراطية وعدم إهتمام بقضية المواطن المذكور  ، فما كان من جلالته  بعد سماع المكالمة إلا الإتصال بالبرنامج  مبديا رفضه لتعامل مؤسسات الدولة الأردنية بإهمال مع قضايا المواطن الأردني وحاجاته وطالبا الحصول على المعلومات التي أوردها المواطن للبرنامج وعنوان أسرته بعمان ، واعدا إيصال الحليب المطلوب إليهم بالغد .

وأغلب الظن بأن كادر الديوان الملكي وأجهزة الدولة ذات العلاقة قد عملت جاهدة بناءا على التوجيه الملكي السامي  لتأمين حليب الطفل الأردني ، ولم يكتفي جلالته بتأمين حليب الطفل الأردني بل  أنه أمر المدير العام للبريد الأردني آنذاك  للإتصال بالبرنامج وقطعه وعدا بمحاسبة التقصير الذي حصل من موظفيه  وتصويب الإجراءات حتى تحقق مصالح المواطن الأردني .

أما الحالة الثانية فكانت تدخله لصالح طلبة مدارس التربية والتعليم في منطقة الرصيفه  الذين أشتكوا من عدم ملائمة غرف صفهم الدراسية  لتلقي العلوم  بسب إفتقارها  للمواصفات الصحية والبيئية المناسبة كالتهوية والإنارة  .

وقد حظيت شخصيا مع زملائي الإذاعيين والصحفيين بلقاءات عديدة مع جلالة المغفور له لسماع توجيهاته حول تناولنا لقضايا عديدة ، كقضية إعادة الحيوية لسعر صرف الدينار الأردني بعد إعادة  تعيين الدكتور محمد سعيد النابلسي رئيسا للبنك المركزي ، وقضية تشنج الإعلام الأردني بسبب جلوس جلالته على الأرض بجانب والد إحدى الفتيات اللواتي أطلق عليهن الجندي الأردني أحمد الدقامسة النار بسبب تهكمهن عليه وهو يؤدي صلاته ، حيث  أوضح لنا جلالة المغفور له موقفه معاتبا طريقة تناول بعض وسائل الإعلام للأمر ، حيث  قال :

ما الذي حدث بجلوس الملك على الأرض .. ببساطه  قمنا بترطيب الموقف فلجأنا لتقديم العزاء لبعض ذوي الفتيات القتيلات وعندما وجدنا أحدهم جالسا على الأرض جلسنا بجانبه فجعلتموها قضيه ، وقام بتوجيهنا بكيفية التعامل مع هكذا قضايا وتناولها بقدر حجمها وفهم مقاصدها بهدف تحقيق المصالح الوطنية وعدم الإضرار بها  .

ولكل إذاعي مع جلالة الملك ذكريات حتى أن الإذاعيين الأوائل يذكرون بأنهم كانوا يتفاجئون بين حين وآخر بزيارات جلالته لدار الإذاعة وإبدائه الرأي بإنتاجاتهم البرامجية وأسس تعاملهم مع الأخبار وتوجيه خطهم التحريري .

وبعد فإننا في يوم الوفاء والبيعة  نترحم على روح جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال  طيب الله ثراه  الذي وصل الليل بالنهار خلال سبعة وأربعين عاماً مليئة بالإنجاز والعطاء ، لبناء الأردن الحديث، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية .

 

 

 

م.

مقالات ذات صلة