الاقتِصاد في عشرِ سَنَوات

سلامة الدرعاوي

حديثُ رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز خلال مؤتمر المستثمرين المغتربين فيه عِبر هامة ودلالات كبيرة لأيّ مُتتبع لِما شهده الاقتصاد الوطنيّ في السنوات العشر الماضيّة.

الرزاز قال مُخاطبا الحضور رجال الأعمال المحليّ والأجنبيّ: «التاريخ الذي مررنا به خلال العشر سنوات الماضيّة آمل أن لا يتكرر وأننا نحنُ بلد اقتصادها صغير ولا نستطيع أن ننفك عن المنطقة بشكلٍ عام».
وأشار الرزاز في كلمته إلى أن الحكومة ليست راضية أبداً على نسبة النُمُوّ.
وأضاف: «علينا أن نكون واقعيين حول التاريخ والجغرافيا وأن لا نحبط ونثبط الآخرين بل ننظر إلى الفرص المُتاحة وهي فرص حقيقيّة والعديد استفادوا منها».
كلمات الرزاز توضّح مدى التحدّيات التي مرّ بها الاقتصاد الأردنيّ أن غالبيتها تتجاوز طاقته وإمكانياته، وهذا صحيح، فغالبيتها بِفعل مُسببات خارجيّة إقليميّة، فانقطاع الغاز المصريّ ساهما جليّاً في الزيادة السريعة لعجز الموازنات وارتفاع المديونيّة، وارتفاع كُلّف الطاقة في المملكة لِمُستويات كبيرة.
كما أن الأحداث الأمنيّة والأعمال الإرهابيّة في كُلّ من سوريا والعراق ساهمتا بشكلٍ واضح يتراجع حركة التصدير إلى هاتين السوقين اللتين تعتبران رئتا المملكة الاقتصاديّة، بسب الإغلاق الكامل للحدود مع تلك الدولتين، وهذا ساهم سلبيّاً في عمليات الإنتاج وتراجع الأنشطة الصناعيّة، إضافة إلى تحدّيات كُلّف الطاقة التي تتحمّلها القطاعات الاقتصاديّة في بيئة الأعمال المحليّة، والتي قد تكون تلك الكُلّف من أعلى الكُلّف في المنطقة والعالم.
القطاع السياحيّ كان له نصيب كبير من تداعيات الأحداث الإقليميّة المُختلفة، وظهرت المؤشرات في ابشع صورها بعد التراجع المُخيف في أعداد السواح الذين يزورون المملكة مَصحوبا بانخفاض الدخل القوميّ من عائدات السياحة، وهذا انعكس على أنشطة الأعمال السياحيّة المُختلفة من فنادق وغيرها المنشآت التي دخل غالبيتها في نفق الخسائر المُظلمة.
هذا كُلّه أيضا ساهم سلباً في بيئة الأعمال المحليّة التي خيّم فوقها كابوس الركود الاقتصاديّ وشحّ السيولة وأزمة تدفقات النقديّة، وتراجع ثِقة المُستهلكين، وانخفضت الأنشطة التجاريّة، وانتشار حالة عدم اليقين على الاقتصاد الوطنيّ.
والأمر مُشابهه لِحركة الاستثمارات التي عانت الأمرين في السنوات العشر الأخيرة، حيث ونتيجة للتداعيات الخارجيّة المُخيفة من جهة، والتحدّيات الداخليّة من جهة أخرى تراجعت التدفقات الاستثماريّة بشكلٍ مُخيف وصلت في بعض السنين إلى أكثر من 70 بالمئة، وهو ما جعل المملكة واحتياطاتها من العملات الصعبة تتعرض لِضغوطات مُختلفة تتطلب الأمر سياسة حصيفة ورشيدة اتبعها البنك المركزيّ الأردنيّ، والذي أقولها بصراحة انه هو المؤسسة الوحيدة في السنوات الخيرة التي كان له دور المُنقذ الرئيسيّ للاقتصاد من الدخول في نفق الانهيار الاقتصاديّ.

بقية مقال سلامة الدرعاوي
المنشور على الصفحة الأخيرة الجزء الاول

فأكاد أجزم انه هو المؤسسة الوحيدة التي عملت بشكل اقتصاديّ مَدروس وممنهج بشكل بحت بعيدا عن الفزعة والحلول الإجرائيّة السريعة التي لا تغني ولا تُسمن من جوع.
التحدّيات السابقة فعلا عاشها الاقتصاد الوطنيّ بِكُلّ تفاصيلها، لكن علينا أن نعترف ان المملكة حصلت على فرص فريدة لن تتكرر أبداً، وأن تحسّن الإدارات الرسميّة الاقتصاديّة بتوظيفها بالشكل الصحيح، الأمر الذي أضاع فُرصة كبيرة على المملكة.
فأسعار النفط العالميّة بعد حزيران من سنة 2014 انخفضت من 120 دولاراً للبرميل ووصل أدناها إلى 33 دولار للبرميل، ومع ذلك لم تنخفض أسعار المحروقات على المستهلك من قطاع خاص أو مواطنين، وبقيا يدفعان أعلى سعر للمحروقات.
والغاز المصريّ بدأ يتدفق وبإمدادات منذ ما يقارب العام وبكميات كبيرة جداً، وبأسعار تفضيليّة كبيرة، ومع ذلك لم تنعكس تلك الإمدادات على فاتورة الطاقة على المُستهلك بِكُلّ أشكاله.
حتى التعرفة الكهربائيّة بَقيت تُباع للمستهلك بأعلى تعرفة منذ رفعها بشكل كبير في نهاية 2012، ولم تفِ الحكومة بوعودها بتخفيضها في حال تراجع أسعار النفط العالميّة حتى مع عودة الغاز المصريّ.
الحكومة تعلم جيدا في السنوات العشر الأخيرة حصلت الخزينة ولأول مرة في تاريخها على تمويل عن طريق المِنحة الخليجيّة بقيمة 3,6 مليار دولار لتمويل معظم الاحتياجات الرأسماليّة في الموازنة، والنتيجة للأسف كانت غياب الإدارة الرشيدة لتلك الأموال التي ذهب غالبيتها لتمويل مشاريع ليس لها أيّة قيمة مُضافة على الاقتصاد، وهذا واضح من مؤشرات الإنفاق من تلك المنحة، اذا ما علمنا انه تم صرف ما يقارب المليار دينار من أموال المنحة الخليجية على الخلطات الإسفلتيّة وتعبيد شوارع في قرى ومحافظات المملكة، في حين دولة المغرب التي حصلت على ذات المنحة استخدمت أموالها فقط في تطوير شبكة النقل لديها فقط، مما كان له الأثر الإيجابيّ على بيئة الأعمال هناك.
في السنوات العشر الأخيرة تعرض الأردن لتحدّيات كبيرة أثرت سلبا على المؤشرات الاقتصاديّة، لكنه في المقابل حصل على فرص اقتصاديّة غير مَسبوقة لم تحسن الحكومات توظيفها بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطنيّ، وهذا سببه الرئيسيّ يعود إلى ضُعف الإدارة الرسميّة للاقتصاد وفقدانها للبرامج والخطط التنمويّة الإصلاحية

مقالات ذات صلة