الإعسار ونظرية (قد وصلت).. رمزي الغزوي

من السهل في العلوم البحتة، أن تضع قانوناً أو نظرية؛ لتفسر ظاهرة علمية، أو شرح تفاعل كيمائي أو نووي، أو أن توضح حركة جرم سماوي، وتحسب قطر مساره، وزمن دورانه.

في العلوم الإنسانية من الصعوبة بمكان أن تفكر بتلك النظرية لتفسير الظواهر الاجتماعية، ليس لأن حركات مدها وجزرها، لربما تقرأ بأكثر من تبرير أو وجهة نظر، بل لأن الإنسان عصي على (القوننة) إلا في نادر الحالات.
لم يزعجني أن أحدهم تلقى التهاني بانتخابه بالتزكية رئيساً لجمعية تطوعية، للمرة العاشرة. فهذا الرقم محطم في جمعياتنا وأحزابنا ونوادينا منذ سنوات. ما أزعجني أني نبشت أخبار عشرين سنة مضت؛ ودون أن أظفر بنشاط لجمعيته. لكني ظفرت بشبه نظرية سأستعين بها في تفسير إعسارنا. سأسميها: (قد وصلت).
تحتفل وتبتهج الناس بتوزير واحد من أبنائها، أو بفوزه نائبا عن دائرته. دون أن نسمع عن أحد ما فكر بسؤال وزيره ونائبه. ماذا بعد أن وصلت؟ ماذا عملت؟ وماذا تركت؟. أين أثرك؟.
وفي هذا السياق أرعبني، أن وزيراً قال في سهرة، بعد محاصرته من أصدقائه، الذين استفسروا مشككين بانجازات  تستحق الذكر، فما قال إلا أن لقب معالي في جيبه.
وبشبه النظرية تلك، سنفسر شغفنا بجاهات الأعراس وصوريتها. فعدا عن حرصنا على عرمرميتها وضخامتها، إلا أن كثيرا من العائلات يشترطون، أن يكون طالب ابنتهم حاملا للقب دولة أو معالي. مع أن العقد مكتوب من يومين في المحكمة الشرعية. ولم نسأل ماذا بعد كتب الكتاب؟.  لم نسأل كيف يفشل ما لا يقل عن 70 % منها في مرحلة الخطوبة؟.
لدينا مئات الأحزاب والجمعيات والمنتديات والنوادي، لو أجريت فيها مسحا دقيقا؛ لوجدت أن أكثر من ثمانين بالمائة من قيادتها، ورئاساتها، تحتكر في عهدة شخص واحد، يرث نفسه، حيناً بعد حين.
مجتمعنا يهتم بالوصول فقط. فقلما التفتنا إلى السؤال الأهم من هذا، وهو ماذا بعد الوصول، ماذا بعد البعد ايضاً؟. المنتديات والاحزاب والحمعيات ليست إلا أدوات تطوير وحراك في المجتمعات، وليست غايات في حد ذاتها، إلا في عرفنا المتهالك وتفكيرنا المتقاصر.
حالة الإعسار العامة التي تسيطر على مجتمعنا وتكتم أنفاسه، في جانب منها، قد لا تحتاج إلى شروحات من مئات الصفحات والأبحاث لتفسيرها ومعرفة أسبابها. فلربما نستطيع تفسيرها بالإستراتيجية التي يتمترس فيها كثير من قياداتنا وزعاماتنا وتسيطر على تفكيرهم.

مقالات ذات صلة