الدراسات العليا أم الخبرة العملية؟

بعد التخرج من الجامعة يبحث معظم الخريجين عن فرص العمل المناسبة لمجال تخصصهم ويحتار البعض منهم في الاختيار بين مواصلة الدراسة للحصول على درجة تعليمية أعلى مثل الماجستير والدكتوراه أو التوجه إلى مجال العمل من أجل اكتساب الخبرة العملية وتجنب المزيد من الإنفاق على التعليم.

الإجابة على هذا الخيار ليست سهلة وتعتمد على ظروف الخريج المالية وعلى مجال تخصصه. بعض الخريجين يميل إلى التوجه إلى العمل مباشرة على أساس أنه يخرج من الجامعة مدينا بقروض مصاريف الجامعة ولذلك فهو ليس في حاجة إلى المزيد من تراكم الديون عليه. ولكن بعض خبراء التوظيف يوصون باستمرار التعليم إلى درجات عليا كلما كان ذلك ممكنا لأنه أفضل من حيث الدخل ومستوى المعيشة في أغلب الأحوال وعلى المدى الطويل.

الإحصاءات الأميركية تشير إلى نسبة البطالة بين خريجي الجامعات تصل إلى 3.5 في المائة وتنخفض إلى 2.8 في المائة بين حملة الماجستير. وفي بعض المجالات النظرية مثل علم النفس والتعليم يعتبر الماجستير ضرورة من أجل الالتحاق بوظيفة.

من ناحية التكلفة والعوائد لا بد من حساب قيمة الماجستير من حيث توقعات الأجر السنوي مقابل تكاليف الحصول عليه التي تشمل مصروفات الجامعة والإقامة والتفرغ لمدة عامين على الأقل. ومن الناحية المالية تعتبر شهادات الماجستير في تخصصات مثل الرياضيات وعلوم الكومبيوتر والهندسة هي الأعلى من حيث العائد المالي مقارنة بالعلوم النظرية مثل علم الاجتماع وعلم النفس والفنون الجميلة.

من العوامل الأخرى التي يجب أن تدخل في الاعتبار هي الاختيار بين الالتحاق بالجامعات العامة أو الخاصة أو الدراسة عن بعد عبر الإنترنت. ولا توجد فوارق كبيرة بين الحصول على الشهادات من الجامعات العامة أو الخاصة ولكن الانطباع السائد عن الشهادات المكتسبة «أونلاين» هي أنها رخيصة وأقل قيمة من غيرها. وهذا الانطباع غير صحيح من واقع أرشيف شركات التوظيف التي تقول: إن حامل الماجستير من جامعة معترف بها عبر الإنترنت لا تقل قيمة عن غيرها.

الهدف الأساسي لتجنب الدراسات العليا من أجل الالتحاق بوظيفة هو توفير المال، حيث تتكلف درجة الماجستير عبر سنتين من الدراسة ما بين 30 ألفا إلى 120 ألف دولار وفقا للتخصص. بالإضافة إلى هذه التكاليف هناك تكلفة خفية وهي العائد المفترض من وظيفة لمدة عامين يقضيها الطالب في الدراسة قبل التخرج. وبعد دراسة العامين سوف يجد حامل الماجستير أن الأجر الشهري المتوقع لا يزيد إلا بنسبة تصل إلى 5 في المائة عن هؤلاء الذين توجهوا إلى العمل والذين يمكن أن يحصلوا على 3 في المائة زيادة في الأجور بعد عامين من الخبرة العملية. ويتميز الذين دخلوا مجال الأعمال بدلا من مواصلة الدراسة بأن لديهم اتصالات وخبرة عملية توفر لهم الاستقرار المعيشي بينما يبحث حملة الماجستير عن شركات تقبل توظيفهم بلا خبرة عملية.

وفي معظم الجامعات الغربية خصوصا في بريطانيا (ما عدا اسكوتلندا حيث التعليم الجامعي فيها مجاني) وأميركا تعتبر الديون المتراكمة على الخريجين من جراء القروض التي حصلوا عليها أثناء الدراسة من العوائق الرئيسية التي تمنع توجه معظمهم إلى دراسة الماجستير. ويصل حجم هذه الديون في المتوسط إلى 33 ألف دولار في أميركا لكل خريج و36 ألف إسترليني (47 ألف دولار) في بريطانيا. ويتم دفع هذه الديون بخصمها من المرتب بعد التوظيف. وإذا ما اختار الخريج أن يواصل الدراسة إلى الماجستير فإن نسبة الديون تزيد إلى 58 ألف دولار في أميركا و50 ألف إسترليني (65 ألف دولار) في بريطانيا.

وإذا كان الحصول على درجة الماجستير هو نوع من الاستثمار الذاتي فيجب قبل اتخاذ القرار الصعب إجراء بعض البحث العملي عن فرص التوظيف بعد الحصول على الشهادة الأعلى والعائد المنتظر منها وتكاليف الحصول عليها. وفي معظم المجالات إذا أخذ في الاعتبار الأجر الأعلى مدى الحياة وفرص الارتقاء الوظيفي المستقبلي فإن الاستمرار في التعليم بعد التخرج من الجامعة يكون أكثر فائدة.

قد تكون الخلاصة إذن أن الاختيار يعتمد على مجال العمل، وأن الحصول على شهادات عليا أفضل من الناحية المالية على المدى البعيد، وأن الخبرة العملية لها أهميتها أيضا. وربما كان الخيار الأفضل، لمن يستطيع، هو اكتساب بعض الخبرة العملية أولا ثم بحث قرار الاستمرار في الدراسة على أن تتحمل شركته تكاليف الدراسة العليا.

 نصائح خبراء التوظيف… مجال العمل يجيب

تتفاوت اراء خبراء التوظيف في المعضلة التي تواجه الخريجين الجديد عند الاختيار بين دخول سوق العمل واستئناف الدراسة. بعض هذه الآراء ظهرت في نشرات خاصة بشركات توظيف وسجلات الجامعات، ومنها:

الدكتورة جين شانا، مستشارة التوظيف في جامعة أكسفورد: وهي توضح أن بعض المجالات تحتاج إلى دراسات عليا وعلى الخريج أن يقرر ما هو المجال الذي سيعمل فيه وفي أي منصب. وفي بعض برامج الماجستير تتاح للطالب فرصة اكتساب خبرة عملية ليس فقط في المجال الأكاديمي وإنما أيضا في مجالات معاهد الأبحاث والمنظمات الدولية وهيئات التنمية. ومن المفيد لبعض الطلبة أن يتوجهوا لمجال العمل لاكتساب الخبرة أولا ثم العودة إلى دراسة الماجستير بعد ذلك بحيث تتضح لهم الصورة حول مجال التخصص الذي يرغبون في دراسته إلى مستوى الماجستير.

 أسرار التفوق في الدراسة

جيمس كالندار، مدير شركة استشارية للتوظيف تسمى «إف إم تي»: وهو يقول: إن المجالات التي توفر فيها شركته الوظائف للخريجين، فإن السبب الذي سعى من أجله الخريج للحصول على الماجستير له أهمية قصوى.

فالتوجه للحصول على الماجستير يجب أن يكون لشغف الطالب لمعرفة المزيد عن مجال تخصصه أو كخطوة نحو اكتساب المزيد من العلم وليس من أجل شغل وقت الفراغ أو بهدف وظيفي بحت. من المهم أيضا أن تكون شهادة الماجستير لها ضرورة في مجال العمل المطلوب أو أن توفر مهارات إضافية للوظيفة. وهو ينصح الخريجين باستشارة متخصص في التوظيف سواء في الجامعة أو في الشركات التجارية التي يعتبرها هدفه الوظيفي من أجل النصيحة حول الفوائد المفترضة من إكمال دراسة الماجستير.

بيروني مور، عضو مجلس أوصياء هيئة الحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال في بريطانيا: وهي تؤكد أن بعض المهارات لا يمكن اكتسابها من فصول الدراسة وأنه في معظم الأحيان لا بديل من خوض مجال العمل.

والدراسات العليا في نظرها هي للاستمتاع بها وعملية تثري حياة الطالب وتعد وسيلة نحو غاية. ولكن التطبيق العملي شيء آخر. فلا يمكن مثلا تعلم كيفية إدارة فريق أو شركة من مقعد الدراسة، فالأمر يحتاج إلى خبرة عملية. وهي تؤكد أن الشركات تقدر المؤهلات الأكاديمية بلا شك ولكنها تعترف أيضا بقيمة الخبرة العملية. وهي تشير إلى أن اكتساب ماجستير إدارة الأعمال في معظم الجامعات المعترف بها يتطلب خبرة عملية لمدة ثلاث سنوات على الأقل قبل الالتحاق بالبرنامج الأكاديمي.

وتسعى الشركات بشدة لتوظيف من أكمل ماجستير إدارة الأعمال بعد اكتساب خبرة عملية في عالم الواقع. وهي تنصح كل من يسعى للحصول على ماجستير إدارة الأعمال أن يكون متأكدا تماما قبل إنفاق الوقت والمال في برنامج أكاديمي صعب قد لا يستطيع إكماله من دون الالتزام التام به.

مقالات ذات صلة