البطالة توجع

أحمد حسن الزعبي

«البطالة» مصطلح تلفظه ألسنة المسؤولين كل يوم ألف مرة، دون أن «يلدغهم» الجوع مرّة أو الفراغ مرة أو قلة الحيلة مرة،
يتكلّمون عن البطالة في معرض الدفاع عن سياساتهم او الكشف عن الخطط الوهمية القادمة أو في محاولة بائسة
للنزول من تحليقهم المرتفع جداً..
لا يعرف قسوة البطالة الا من جرّبها، الا من عاشها بكل مرارتها وسواد غرفها..الا من دخل في التفصيل اليومي للشاب العاطل عن العمل.

عندما يكمل أحدهم تعليمه الجامعي يكون متحمّساً جداً لسوق العمل، يريد أن يثبت لنفسه ولأهله أنه قادر أن يعطي ويعمل، يطرق الأبواب الكثيرة في فترة قصيرة، يصور شهاداته وسيرته الذاتية ويرتحل من مكان إلى مكان ومن شركة إلى شركة ومن مصنع إلى مصنع، لكن شيئاً فشيئاً يتكشّف أمامه الوجه الحقيقي لسوق العمل..حتى الحماس الذي كان يعيشه يفتر شيئاً فشيئاً عندما يشعر بتذمّر رب الأسرة من أجرة الطريق ورسوم التصديق..وربما سمعها الكثير منهم وسمعتها شخصياً من أحد الآباء: »
يابا..قاعدين بندفع مواصلات ع الفاضي وفيش فايدة..اقعد ووفّر أجارك»..
لا تلوموا الشباب، النصائح سهلة، والكلام النظري في متناول الجميع على غرار «بلّش بمشروع ع قدك»، «اشتغل أي شي»، » افتح بسطة»..لأن المشروع الذي على قدّه يحتاج الى رأس مال..ورأس المال «راتب الوالد» الذي يشترى فيه خبزاً للعائلة،
اشتغل أي شي؟..
أصحاب المصالح يعانون من ضعف الحركة التجارية وبالتالي فهم يقلّصون العمالة لا يزيدونها..
أما كلمة افتح بسطة لا الأمانة ولا البلديات ستترك في حالك..في أول جولة تفتيشية وضبطية ستكفر في وطنك الذي صغر كثيراً وصار أصغر من بسطة..
لا أحد يفهم معنى البطالة الا الذي جربها..إذا تأخر الشاب في النوم قليلاً فهو ملام ويذكّر بأنه «لا شغلة ولا عملة» إذا أكل كثيراً يلام ولو بالنظرات، إذا جلس في البيت طويلا يلام، ويصبح السؤال عن «الشغل» جارحاً ومؤلماَ، «ما بتشتغلش”؟، «فيش وظايف”؟ «بعدك قاعد”؟..”متى بدك تتجوز على هالحالة”؟؟…هذه المواجهات اليومية واللوم الصامت تأكل ورقة الأمل العريضة،وتجعل الشاب أكثر ارتباكاَ وضعفاً وانكساراً وجاهز لثورة مباغتة وغير متوقعة..
أشعر تماماً بما يحسّ به شباب معان على وجه التحديد وشباب البلد على وجه العموم..فالطاقة المعطّلة قاتلة ومميتة والمستقبل المبهم وحش حقيقي..جاهز لافتراس العمر دفعة واحدة.

مقالات ذات صلة