هل ستجيد حماس المقاومة بالمفاوضات؟

تانيا كرجة

حرير- تمرّ المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشيء من التعقيدات اللافتة. وستطرح هذه المقالة تحليلاً نفسيًا لما وراء هذه المفاوضات التي تجري بتدخل من الوسطاء، في محاولة لفهم البعد النفسي السياسي لعملية التفاوض خلال الحرب بوصفها أسلوب مقاوَمة عند المستعمَر، وبوصفها سياسة إخضاع عند المستعمِر الإسرائيلي.

المفاوضات هي استمرارية لسياسات الإخضاع التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلي، في حين تُبدي “حماس” عناداً وصلابةً واضحةً في مطالبها كردّ فعل مقاوِم لهذا الإخضاع الاستعماري. تقدّم نموذجاً واضحاً في تكامل عملية المقاومة، حيث تأتي المفاوضات جزءاً من عملية المقاومة والصمود أمام أعتى وأعنف استعمار صهيوني في زمن ما بعد الحداثة. أضف إلى ذلك كله مجابهة “حماس” بكلّ هدوء وحكمة أمام قياداتٍ إسرائيليةٍ مريضةٍ بالصهيونية والغوغائية التي كشفت عن نفسها منذ بداية الحرب، وهذا لا يعني أنّ الصهيونية تنفّذ أجندتها بأساليب جديدة، بل إنّ ما تقوم به في هذه الحرب مبنيٌّ على أساليب الصهيونية التي تأسّست عليها، بينما أصبحت الغوغائية موضعاً للمفاخرة والمنافسة بين قيادات الاحتلال خلال الحرب على غزّة.

تجري المفاوضات في ظلّ ضغوطٍ يمارسها الاحتلال على الوسطاء من الدول في التفاوض بين “حماس” وإسرائيل. ومن خلال هذه الضغوط، تحاول إسرائيل أن تتمسّك بروايتها أنّها الطرف الذي جرى الاعتداء عليه في 7 أكتوبر، وتستخدم هذه الديباجة ذريعة أمام الشعوب والدول التي تمارس الضغط على إسرائيل لفكّ الحصار عن قطاع غزّة، وتقابل هذا الضغط بتنفيذ خطّة أمنية مع مصر لضمان عدم مرور السلاح عبر الحدود المصرية.

أصبحت مسألة تدويل الأمن الإسرائيلي مع مصر في مقدّمة أولويات إسرائيل، ولنترقّب أيضاً احتمال تحميل مصر أيّ مسؤولية في المستقبل، في حال خرقت “حماس” أيّ هدنة مفترضة. لذا، تدويل الهدنة أيضاً خطة سياسية جديدة، ربّما ستجرّنا إلى مزيدٍ من القيادة والوصاية الإسرائيلية على المنطقة العربية، وهذا احتمالٌ جزئي، لأنّ الاحتمال الآخر هو تورط إسرائيل في حروبٍ من عدّة جبهات، من أجل إضعافها وتحجيم دورها في المنطقة العربية. لذا الأهم في كواليس هذه المفاوضات هو التمعّن في مواقف دول الجوار وعلاقاتها المهمّة جداً لإسرائيل في هذه المرحلة، فليس لدى إسرائيل أيّ قوة تحتكرها مثل السابق، فالتكافؤ العسكري والاقتصادي والتكنولوجي أصبح موجوداً ويشكل تهديداً على إسرائيل.

رغم أنّ المفاوضات مكمّلة لعملية المقاومة، لكنّ المخاوف من انشقاقات داخل “حماس” قد تنتج عن هذه المفاوضات مستقبلاً، في حال ظلّ باب التفاوض مفتوحاً، لأنّها أمام عدوّ متطلّب ويقتنص فرصه من خلال المفاوضات، والمقصد بالفرص هنا فرص التنازل من “حماس” في مراحل مقبلة. يأتي مصدر تلك المخاوف من تعدّدية الدول الداعمة والمموّلة للحركة، فإذا ما قارنّا “حماس” بحزب الله من ناحيتي تعدّدية المصادر الداعمة للمقاومة ووجود خط مفاوضات من عدمه، نجد أنّ هناك اختلافاً واضحاً بينهما من هاتين الناحيتين.

تأتي تلك المقارنة من باب المقارنة ليس إلا، بمعنى أنّها ليست مفاضلة. لكن ونحن نفكّر بها تعترضنا حقيقة أنّ المقاومة ما زالت في أوج قوتها، ولها كلمتها النافذة في غزّة، وتستطيع أن ترفض ما لا يعجبها في المفاوضات، ولعلّ من يحدّد سير المفاوضات من خلف كواليسها لدى “حماس” هي القيادات العسكرية، ويأتي الدور الدبلوماسي في هذه المرحلة عاكساً لخطط المقاومة التي ما زال لديها عديد الخطط التي لم تُنفَّذ بعد، لذلك يمكن تفسير نزوع الاحتلال نحو الإبادة الجماعية للمدنيين العزَّل عجزاً عن القدرة على التنبؤ بخطط “حماس” الآنية والمستقبلية.

كما هذه مقارنة أخرى بين المقاومة في غزّة والمقاومة الحوثية في اليمن، فكلّما كانت المقاومة على مناطق التماسّ مع العدوّ احتاجت لخطط عسكرية أكثر، خصوصاً في نطاق جغرافي محاصر، براً وجواً وبحراً، وهذا أصعب امتحان أمام الدعم والإسناد الأميركي والجنون العسكري الأعمى لدى الصهاينة، الواضح أنه لا يستخدم خططاً عسكرية، إنّما يتصرّف بهمجية ووحشية غير مسبوقتين، ويركّز على المدنيين الأبرياء العزّل، وربّما هذه خطته الرئيسية، بل ربّما خطته الوحيدة التي لا نلامس غيرها، بينما يجد مواجهة المقاتلين الفلسطينيين مسألةً عجز عنها ضبّاط الاحتلال الذين يحتمون بالآليات العسكرية، وتلك أسهل أهداف المقاومة يوميّاً، بصواريخ آر بي جي وأنواع روسية محلية الصنع، والأهم أنّها رخيصة الثمن مقابل ثمن الآليات العسكرية للاحتلال.

وإذا ما أسقطنا كلّ الواقع العسكري في قطاع غزّة، فستكون المفاوضات مرآته، فكلّ ما يجري على الواقع في هذه الحرب ينعكس بالمفاوضات، الحرب بكلّ مستوياتها العلائقية من الداخل إلى الداخل، ومن الداخل إلى الخارج، ومن الخارج إلى الداخل، فسبق وأن ذُكِر في هذه المقالة كيف تسير المفاوضات بين الطرفين بوجود الوسطاء الخارجيين لنصل إلى هذا الاستنتاج على نحو نظري. … ولكن لا تحاولوا مقارنة المقاومة الفلسطينية في غزّة بالنهج السياسي الشعبوي لنظام الأسد في سورية، الذي تبنّى شعار “لا سلم لا اعتراف ولا مفاوضات”، وأضف عليها “لا مقاومة”، وهنا تكون المقارنة هزلية وساخرة!

مقالات ذات صلة