كيف نتقدم اقتصادياً .. ولماذا تأخرنا؟

عموم اقتصادات العالم تخفض أسعار الفائدة المصرفية والعبء الضريبي ومساهمات الضمان الاجتماعي أمام الشركات والمستهلكين في مراحل الانكماش والتباطؤ الاقتصادي، في سعيها الحثيث لتعزيز معدلات النمو من خلال انعاش الطلب الاستهلاكي والاستثماري، الا في الوطن العربي .

وللعلم، في الظروف الاستثنائية، فقد خفضت بعض الدول الصناعية ابان الأزمة المالية العالمية أسعار الفائدة الى مستوى صفر%، وعمل “مهاتير” ماليزيا مؤخراً على تخفيض معدل ضريبة المبيعات الى صفر% حتى اشعار آخر!.

مختلف الاقتصادات الصناعية تدرك أهمية ازالة القيود البيروقراطية وتخفيف القيود التنظيمية غير الضرورية في تحفيز حركة الاستثمار وتأسيس الشركات الجديدة ونمو المشاريع القائمة، لكن للادارة الاقتصادية في الوطن العربي رأياً آخر مختلفاً تماماً.

كافة خبراء الاقتصاد والمال حول العالم يدركون أهمية السياسات والحوافز المالية في دعم الاقتصاد الكلي والقطاع الخاص، وخصوصاً المشاريع الصغيرة الجديدة والمبتدئة تحديداً، بعيداً عن منطق الايرادات العاجلة و”الآلة الحاسبة” الا في العالم العربي.

خبراء التجارة الدولية حول العالم يوصون باستهداف الأسواق التصديرية الواسعة والغنية والديناميكية مثل الاسواق الكندية والاوروبية والأمريكية، الا ان لمتخذي القرار في الوطن العربي راياً مختلفاً، فهم يرون ان الأسواق المجاورة، والأسواق الفقيرة والمتقلبة، مثل الأسواق الافريقية، هي أجدى تنموياً.

العالم الصناعي يدرك أهمية التنافس والمنافسة الفاعلة في الأسواق الحرة في تحريك الأسواق ونموها وديناميكتها وبالتالي تخصص لها تشريعات ومؤسسات مستقلة ذات ملاءة مالية وبشرية مميزة منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي الا في حالة الدول العربية، حيث تُعطى سياسة المنافسة وتشريعاتها اهتمام قسم أو مديرية في أحسن الحالات.

دول العالم المتقدم اقتصادياً تعلي من العلماء والمبتكرون وتوفر لهم البيئة التمكينية والتحفيزية المناسبة وتدعم العلم والابتكار والأنشطة ذات التقنية العالية (كالأدوية والصناعات الهندسية) ضمن سياساتها ونظمها الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار، الا العالم العربي، حيث العالم المبدع مهاجراً أو معدماً.

في الدول الصناعية يعاقب “الفريق الاقتصادي والاجتماعي” الذي أخفق في تحقيق وعوده الانتخابية أو غير الانتخابية الا في العالم العربي، حيث يستمر هذا الفريق في الدول العربية في رسالة الأداء “المتميز” بل وينال الترقية والمزيد من الصلاحيات.

كافة اقتصاديات العالم الصناعي تعلم أهمية عامل “الثقة” في فعالية السياسات الاقتصادية الحكومية وبالتالي تسعى الى تعزيز هذا النمط الهام من “رأس المال الاجتماعي” لكن هذه المسألة لا تزال قيد النقاش في العالم العربي تحت مسميات عدة.
في الدول الصناعية والسائرة في طريق التصنيع، يقبل الفريق الاقتصادي الوطني بعض مقترحات ومشاريع وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين ويرفضون بعضها الآخر دون أية تردد، الا في الوطن العربي، فخبراء ومدراء هاتين المؤسستين معصومون عن الخطأ في نظر الدول العربية!.
في العالم الحر، يتم دعم استقلالية وحرية الاعلام كسلطة رابعة مراقبة لأداء القطاع العام والخاص، وفي العالم العربي تحتاج الى “واسطة” للمحرر الاقتصادي لنشر مقالات دورية في جريدة يومية، بل ان رئيس التحرير لا يهاتف ولا يقابل الا “المعالي” وممثليهم.
معظم الخبراء القانونيين والسياسيين الدوليين يدركون أهمية “الضوابط والتوازنات” في تحقيق الحوكمة الرشيدة والنزاهة والشفافية الا في العالم العربي.
في الدول المتفوقة اقتصادياً، يتم تبني أقصى درجات الشفافية والنزاهة والمساءلة في الرقابة على المؤسسات العامة، وتطبق مبادئ الموازنة الموجهة بالنتائج بصرامة، حيث لا مخصصات مالية جديدة دون انجازات اضافية، الا في العالم العربي.
وبعد كل هذا، يتساءل البعض عن الأسباب الكامنة لتراجع وتائر التنمية والنمو الاقتصادي في العالم العربي، والبعض يعزوها الى عوامل خارجية؟.

‎جمال الحمصي

مقالات ذات صلة