بيت العنكبوت… وليد عبد الحي


يطلق الكتاب الإسرائيليون على الاقليات او الثقافات الفرعية في الوطن العربي اسم ” حلف الضواحي”، ويتم التركيز على التباينات بين هذه الثقافات والمبالغة فيها (سني وشيعي وعلوي ومسيحي ومسلم وعربي وكردي وأمازيغي وطارقي …الخ)، ويتم تسعير نيران هذه التباينات لتوظيفها سياسيا .
بالمقابل لا يحاول السياسيون والباحثون العرب –الا في النادر جدا- التفكير في كيفية تأجيج التباينات في المجتمع الاسرائيلي، ويكفي تأمل المواجهة بين اليهود ” البيض ” و اليهود ” السود ” التي جرت في الايام الاخيرة في شوارع تل ابيب ومدن اخرى على اثر مقتل الشاب اليهودي الاسود ومن اصول اثيوبية “سولومون تيكاح” والذي هاجر لاسرائيل قبل ست سنوات ، وقد قتل على يد رجل بوليس اسرائيلي “ابيض”، فهذه الحادثة التي تسببت في اصابة العشرات من رجال الشرطة واليهود السود الى جانب اغلاق الطرق وحرق الاطارات وحرق بعض السيارات واعتقال العشرات، مع الاشارة الى ان هذه ليست هي المرة الاولى ولا هي نقطة التوتر الأولى بين الثقافات الفرعية في الجسد الصهيوني.
ويكفي تأمل المظاهر التالية ولو على عجالة:
أولا: الانقسام في المجتمع الاسرائيلي حسب اللون:
هناك 140 الف ” اسود ” اثيوبي وصل أغلبهم الى فلسطين في عامي 1984 و 1991 ، وواجهوا منذ هجرتهم ممارسات عنصرية أدت لقتل 11 منهم على يد البيض اليهود خلال العقدين الماضيين على غرار ما جرى أمس، والواقع الاجتماعي لهؤلاء السود يشير الى :
1- لا بتم الاعتراف لرجال دينهم بصفة حاخام
2- 90% منهم اميون و 65 % من شبابهم عاطلون عن العمل
3- نسبة الانحراف بين اطفالهم تعادل ثلاثة اضعاف النسبة العامة لليهود البيض .
4- 43% من الاسرائيليين يرفضون الزواج من اثيوبي طبقا لاستطلاعات رأي اسرائيلية حديثة
5- حزبهم أتيد إحاد لم يتمكن من بلوغ نسبة الحسم للدخول للكنيسيت.
6- بعض المدارس الاسرائيلية ترفض قبول الطلاب اليهود السود، وهو ما اثار ضجة بين رجال الدين اليهود.
7- ما زال القانون الاسرائيلي يمنع قبول تبرعات الدم في بنوك الدم من اليهود السود( وبدأت هذه الظاهرة واضحة منذ 1996 وتكررت عام 2006.)
هذه الأوضاع هي التي تفسر ما نقلته صحيفة هآرتس الاسرائيلية عن متظاهر يهودي اسود هو آتي آشاتو (وهو من أقارب الشاب الاسود سولومون تيكاح ) حين قال” من الصعب ان تكون اسودا وتشعر بالأمان في اسرائيل”…
ثانيا: الخلفيات القومية لليهود :
يمكن تقسيم التنوعات الكبرى في المجتمع اليهودي الاسرائيلي من حيث الخلفية الاجتماعية او القومية الى :
20% تقريبا من الروس وصل معظمهم بعد عام 1990 مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وتزايد عددهم منذ تلك الفترة حتى الآن بحوالي 5%( بينما تراجع المهاجرون من أمريكا بمعدل 10% منذ 1990 الى 2018)
ولو قسمنا اليهود في اسرائيل طبقا لخلفياتهم سنجد 68% من الصابرا( الذين ولدوا في فلسطين ولكن اصولهم من خارجها) و 22% جاءوا من اوروبا وامريكا و 10% من اسيا وافريقيا وأغلبهم من المغرب، حيث يشكل اليهود المغاربة المجموعة الثانية بعد الروس من حيث العدد.
ثالثا: الانقسام في الموقف من الدين:
تشير الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي المعتمدة في الدوائر العلمية الى ان اليهود في اسرائيل منقسمون في موقفهم من الدين على النحو التالي:
– 57% علمانيون
– 30% متديون
– 8% ملحدون
– 5% لا أدريون
ويترتب على هذه المسألة مشكلة تظهر بين الحين والآخر في المجتمع الاسرائيلي، وبخاصة التوتر حول الموقف من اليهود الأرثذوكس (8% من اليهود) بسبب اعفائهم من أداء الخدمة العسكرية الاجبارية.
رابعا: التباينات الطبقية:
طبقا لارقام المراكز الاسرائيلية والبنك الدولي والسي آي ايه ، يتوزع الدخل في اسرائيل على النحو التالي:
– الطبقة العليا العليا(10% من السكان) يسيطرون على 27.7% من الدخل
– الطبقة العليا العليا(20% من السكان) يسيطرون على 44.2% من الدخل
– الطبقة السفلى السفلي( أدنى 10%) يحوزون على 1.9% فقط من الدخل.
– الطبقة السفلى السفلى( 20% من السكان) يحوزون على 5.20% فقط من الدخل
خامسا: نخب المراكز العليا في الدولة: يكفي ان نقدم نموذجا لذلك في رؤساء الوزراء الاسرائيليين منذ 1948، فقد بلغ عددهم (17 بما في ذلك من تولى السلطة أكثر من مرة)، منهم 8 يهود غربيين والباقي من الصابرا، بينما لا نجد من هو من اصول سفاردية خالصة، وهو أمر لا يتناسب مع النسب السكانية لهذه الشرائح.
سادسا: العنصرية تجاه عرب فلسطين 1948:
يكفي ان نشير الى ان 75% من اليهود يرفض ان يسكن في أي مبنى فيه سكان عرب ، وهناك 40% من اليهود يطالب بتجريد العرب من كافة حقوقهم السياسية والاجتماعية.
الخلاصة:
أليست كل هذه الجوانب شقوق في جدران المجتمع الإسرائيلي، فقد حرضونا على بعضنا البعض بحجة ان السنة زمن صدام هم الحكام ، ومرة ان العلويين هم الحكام في سوريا، ومرة ان سكان جنوب السودان مظلومين وأخرى ان الأمازيغ والاكراد مظلومين وأخرى ان الأقباط مضطهدين…وللاسف كثيرا ما استجبنا لهذا وساهمنا بتوسيع الشقوق في جدراننا.
لكن الحقيقة ان اسرائيل حقا ” بيت عنكبوت”، وفيها ظاهرة الآن تقلق حكومتها ان الهجرة من اسرائيل العام الماضي فاقت الهجرة اليها، وفيها تباينات سياسية واجتماعية وثقافية تنتظر من يستثمرها ويؤججها..لكن قومي مشغولون ” بنهضة الديسكو في الاراضي المقدسة”….

مقالات ذات صلة