سر “البريق”

“الراجل ده عمل أفلام أي كلام، وأسلوبه دَبش في الكلام، وما عندوش حساب لحد، وما بيخبيش حاجة في قلبه، ضيّع نفسه بصراحته ومواقفه في قضايا كثيرة، بس عنده حاجة خاصة بتخلّيه مش زي أي حد، أنا نِفسي مش عارفها”.
هكذا تحدث عادل إمام عن رفيق رحلته الفنية سعيد صالح، في حوار مع المذيعة هالة سرحان قبل سنوات.
إمام لا ينكر أن صالح تنازل له عن دور “بهجت الأباصيري” في “مدرسة المشاغبين”، ولم يتوان عن أداء أدوار “السنيد” في أفلامه لاحقاً، أشهرها “سلام يا صاحبي”، “المشبوه”، “على باب الوزير”، “الهلفوت”، و”زهايمر”. كان صالح يُضحّي حسب الأحداث الدرامية، وإمام يُكمل، مثلما حصل في “كواليس” الفن؛ والواقع.
لم يكن عادل إمام وحده يسأل عن “سر البريق”، محمود عبد العزيز تحدث عندما لحقه المعجبون في بلد عربي عن عدم شعوره بلذّة الغرور، مقابل سكون وقناعة سعيد صالح؛ الذي كان يرافقه في الرحلة.
هذا “الصالح”، لم يكترث إطلاقاً لأدوار البطولة، رفض شخصية “العمدة سليمان غانم” في مسلسل “ليالي الحلمية”؛ من أجل استكمال مسرحية، قادته للسجن بسبب مضمونها حينها، كان يدخل الأماكن العامة دون أن يقول للناس: “أنا هنا”، يتصرف على سجيّته، لا يجمع “شلّة” حوله، ولا يعرف تسويق نفسه إعلامياً، ولا يتوشّح بألقاب لا تعنيه. حتى عندما وصفه صحفي ب”كبير الكوميديا المظلوم” ردّ صالح بسخريته المعتادة بأنه “عَيِّل” طائش، يرتجل، ولا يحسب لأي شيء؛ حساب.
موهوب “قلبَ” موازين المسرح بعد جيل فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي، لكنه بدد موهبته في أفلام “المقاولات”، والذهاب إلى ما لا علاقة له بالفن أحياناً، رصيده الكبير كماً، يُعادل “الصفر” نوعاً في تلك الأعمال، يُقر بذلك في لقاء قبل وفاته عام 2014، بدا خلاله لا يثق بذاكرته، إلاّ عند التطرق لمحطات في مشواره، قائلاً: “أنا ابن المسرح، راجعوا أبي واسألوه عنّي”.
“سر البريق” الذي لم يُجد إمام وعبد العزيز تحديده، يدوّنه الكاتب الراحل محمود السعدني في إصداره “المضحكون”، يقول عن سعيد صالح: “كان مثالاً للموهوب المتشرد (حبه للفن على حساب جمع المال)، لم يدّع ما يفوقه، لا يعمل على “تزويق” الكلام، لا يمتهن الوصولية، أكثر ما يميّزه أنه كان هو في جميع حالاته”.
سعيد صالح الذي تمر ذكرى ميلاده آخر الشهر الجاري وذكرى رحيله مطلع المقبل، لم يتظاهر بثقافة واسعة في الجلسات رغم معرفته؛ وقراءته في صنوف مختلفة، لا يتظاهر بالفضيلة، يأتي مثل حصان الرهان، يسبق الجميع بإطلالته على الخشبة، ويُغادر!
كان صادقاً مع نفسه بأخطائه ونجاحاته. الصدق سر “البريق”.

بقلم ماهر عريف

مقالات ذات صلة