بريطانيا: رحيل حكومة «البركزيت» والفضائح!

مهم في هذا السياق، أن نقرأ المسار السياسي، والمسلكي، الذي مشى عليه جونسون، وحكومته، وحزبه، كي نتمكن من معرفة كيف تحوّل «بطل» البريكزيت (الحركة التي قادت معركة الخروج من الاتحاد الأوروبي) الذي فاز في انتخابات كانون أول/ديسمبر 2019 بأغلبية تاريخية للمحافظين، إلى شخص تراجعت شعبيّته إلى حد كبير، حتى بين كبار قادة الحزب المخلصين له، فاضطر لتجرّع «سمّ الاستقالة» بعد عناد شديد، وتهديدات لأولئك القادة، من قبيل أن عليهم أن «يغمسوا أيديهم بالدم» كي يتمكنوا من إخراجه من «10 داوننغ ستريت» أو باللجوء لانتخابات عامّة، يفترض، واهما، أن تعيده بتفويض شعبي.
بعد تصريحات تستهتر بخطورة جائحة كوفيد 19 وبطء في إقرار عزل عام، أصيب جونسون، نفسه، بالفيروس، ونقل للعناية المركزة، وهو ما دفعه، بعد ذلك، إلى إظهار حماس زائد وإقرار بدء تلقيح الجمهور البريطاني، مستخدما ذلك للإشارة إلى فائدة كون قراره ناجما عن انفكاك القرار البريطاني

عن أوروبا، التي تأخرت قليلا في إقرار بدء اللقاح.
رغم حصول فضائح صغيرة، نسبيا، بعدها، عن دور مستشاره الأول، حينها، دومينيك كمينغز، في تسيير شؤون الحكومة، ما أدى لاستقالة أحد زعماء الحزب، ساجد جافيد، من وزارة المالية، وعن تمويل تجديد الشقة التي يشغلها، فقد نجح جونسون في المحافظة على شعبية حزبه، وانتزاع معقل تاريخي لحزب «العمال» خلال انتخابات محلية عام 2021.
عادت تداعيات فيروس كوفيد 19 لإظهار أثرها السياسي الكبير على جونسون وحكومته، مع انكشاف النفاق السائد ضمن حكومته، فيما يتعلق بالتزام الإجراءات، التي فرضها على الشعب البريطاني، في الوقت الذي كان فيه مسؤولو الحكومة والحزب، يقيمون حفلات داخل مقر رئاسة الوزراء وغيرها، وقد دفع الجدل الكبير الذي جرى الشرطة للتحقيق في تلك الأحداث، وفرض غرامة على جونسون لمخالفته القانون.
بدأ عدّاد شعبية جونسون، بعد ذلك، بالهبوط السريع، فلحقت بحزب المحافظين هزيمة انتخابية في أيار/مايو الماضي، وتعرّض لتصويت على سحب الثقة ضده، وتوالت بعدها سلسلة فضائح جنسية، كانت ذروتها، فضيحة نائب عيّنه جونسون مسؤولا عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين، رغم وجود قضايا اعتداء جنسي ضده، وكانت الضربة القاضية لجونسون وحكومته، انكشاف تحرّش المسؤول المذكور بنائبين في ناد خاص للمحافظين، فتوالت بعدها استقالات الوزراء والمسؤولين، وارتفاع المطالبات العالية باستقالة جونسون ورحيل الحكومة.
ينهي إعلان الاستقالة ثلاثا من أشدّ السنوات دراميّة وخطورة تأثير على مستقبل «المملكة المتحدة» (التي تتألف من إنكلترا وويلز واسكتلندا وشمال أيرلندا) وربما سيؤدي استمرار من سيقوم «المحافظون» بانتخابه خلفا لجونسون على النهج نفسه، إلى خسائر أكبر، ليس للحزب الذي قاد البلاد نحو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي فحسب، بل لوحدة البلاد نفسها.
من الضروري، بعد كل هذه الأحداث، الربط بين الانتهازية الشعبوية التي ركب عليها جونسون (وزميله في حركة «بركزيت» اليميني الأقرب للعنصرية، نايجل فراج) وبين المسلكيّات السياسية التي قادت حكومة المحافظين، بما فيها تعيين بريتي باتيل، التي كانت لها مواقف مخزية داعمة للجيش الإسرائيلي، وصاحبة مشروع تسفير اللاجئين إلى رواندا.
الانقلاب الحاصل داخل حزب «المحافظين» هو على الأغلب، انقلاب أيضا في المزاج الشعبي البريطاني ضد الحزب، وليس ضد جونسون فحسب، وقد تساعد التطوّرات الحاصلة في شمال أيرلندا، واسكتلندا، التي يمكن أن تعيد الاستفتاء حول انفصالها، على رؤية الكارثة السياسية التي ساهم جونسون وحزبه في صناعتها

– رأي القدس العربي

مقالات ذات صلة