الملك: أزمة كورونا لا تقف عند الحدود ولا تفرق بين الغني والفقير

حرير _شارك جلالة الملك عبدالله الثاني، أمس الخميس، في اجتماع «أجندة دافوس»، الذي يعقده المنتدى الاقتصادي العالمي افتراضياً، تحت شعار «عام مفصلي لإعادة بناء الثقة».

ويعقد الاجتماع بمشاركة رؤساء دول ومسؤولين حكوميين وممثلين عن منظمات دولية وأكاديميين ورجال أعمال وخبراء اقتصاد من أكثر من 70 دولة حول العالم.

وألقى جلالته كلمة، في الاجتماع، تاليا نصها:

«بسم الله الرحمن الرحيم أصدقائي، يسعدني المشاركة في نقاشاتكم الثرية، وأشكر صديقي، البروفيسور شواب، على دعوته لي للمشاركة في هذا الاجتماع المهم.

نبدأ عاما جديدا والكثير من التحديات ذاتها التي كانت عنوان العام الماضي، ما زالت تؤثر في مختلف القطاعات، فجائحة «كورونا» مستمرة بجلب الأذى على عالمنا، ونحن بالكاد بدأنا نلمس تبعاتها الإنسانية والاقتصادية طويلة المدى.

ومع ذلك، أؤمن أن هناك بصيص أمل، ولقاحات جاهزة.

ونحن إذ نبدأ رحلة التعافي الشاقة التي طال انتظارها، من مصلحتنا جميعا أن نمضي بها معا.

لا بد أن نحرص على التوزيع الفاعل والعادل للقاحات والعلاجات الخاصة بفيروس كورونا.

التعامل مع اللقاح كسلعة عامة لمنفعة الجميع واجب أخلاقي للحيلولة دون تهميش الدول ذات الدخل المحدود والفقيرة، بينما تقوم الدول ذات الدخل المرتفع بالاستحواذ على معظم اللقاحات الواعدة.

وفي خضم هذه التحديات، تبقى حماية اللاجئين والحفاظ على صحتهم مسؤولية عالمية.

وكما أشار البروفيسور شواب، فكثاني أكبر مضيف للاجئين مقارنة بعدد السكان عالميا، ما زال الأردن ملتزما بحمايتهم في خطته للاستجابة للجائحة، ونحن من أول دول العالم التي بدأت بإعطاء اللقاح للاجئين مجانا، ولكن الدعم الدولي مطلوب أيضا، فعلينا العمل بشكل جماعي لنطور سياسات جديدة لمعالجة مشاكل اليوم والغد.

في الأردن، تمكنا من مضاعفة نسبة الشمول المالي خلال السنوات الست الماضية، عبر الاعتماد على التقنيات الرقمية لزيادة فرص الحصول على التمويل للأردنيين واللاجئين على حد سواء، كما زادت أعداد المحافظ الإلكترونية ضمن جهودنا للوصول إلى حلول مبتكرة لدعم أسر العاملين الذين تضرروا بشكل كبير من الجائحة.

ويجب أن تشمل أولوياتنا العالمية ضمان الوصول إلى التعليم وردم الهوة الرقمية، بينما نعمل على إعداد القوى العاملة لوظائف الغد، التي بدأت تصبح بسرعة وظائف اليوم.

الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهي محرك الاقتصادات النامية، ضرورة لتسريع التعافي.

وكجزء من خطة الاستجابة للجائحة، مكن الأردن 13 ألف مشروع صغير ومتوسط من الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد المنظم.

ونحن من أفضل الدول التي أحرزت تقدما في الإجراءات الإصلاحية وفقا لتقرير سهولة ممارسة الأعمال لعام 2020.

اقتصادنا يتطلع للتعافي، ولكن بالتعاون مع القطاع الخاص.

أصدقائي، بينما نعمل لنتعافى معا، علينا أن نستفيد من الوضوح الذي تجلى لنا في هذه الأوقات الصعبة، كي نمضي قدما بثقة نحو مستقبل أفضل.

لقد أثبتت لنا الجائحة، وبطريقة مؤلمة، أنه ليس بالإمكان استدامة أسلوب حياتنا كما كان في السابق.

لذا دعونا نراجع ونعيد تعريف تلك المصطلحات الحاضرة باستمرار مثل العولمة، وتعددية الأطراف، والمجتمع الدولي، لتصبح المساواة والشمولية والكرامة في صلبها.

يحتاج عالمنا لإعادة ضبط العولمة، لنسعى من خلالها نحو تعاف مستدام وعادل ورفيق بالبيئة، يعطي الأولوية لسلامة شعوبنا وكوكبنا.

وعند الحديث عن المجتمع الدولي، علينا التركيز بشكل أكبر على ما يعنيه كمجتمع، بما في ذلك من القيم والتطلعات والمثل العليا التي توحدنا.

ولا بد أن نحول التجارة متعددة الأطراف إلى أداة للسلام والازدهار المشترك، من خلال تعزيز منعة سلاسل التوريد ودعم شمول الدول النامية لتعزيز النمو من أجل الجميع.

كما علينا جميعا أن نعيد التفكير في الطريقة التي نتعامل بها مع عالمنا، فقد دقت جائحة كورونا ناقوس الخطر لتذكرنا بأن لأفعالنا تجاه البيئة تبعات خطرة.

فليكن ذلك درسا كي لا نتجاهل الجائحة الكبرى المتمثلة في التغير المناخي، فإنها، باعتقادي، أزمة ملحة يجب علينا أن نواجهها معا، من خلال الحلول المبتكرة، التي تعطي الأولوية للاستثمار الرفيق بالبيئة والطاقة المتجددة.

ولأن الأردن من أكثر الدول التي تعاني فقرا مائيا، فهو يدرك تماما مخاطر التغير المناخي.

ونحن نخطط ليكون تعافينا مبنيا على مشاريع التنمية والبنية التحتية الخضراء.

إن التركيز على التغير المناخي مطلوب أيضا ونحن نعمل على التصدي لخطر شح الغذاء عالميا، الذي أصبح خطرا داهما عقب جائحة كورونا، فالمجاعات تهدد الآن الملايين من الناس.

علينا أن نعمل بشكل جماعي لنعزّز تبني الحلول التكنولوجية المستدامة في الزراعة، التي من شأنها أن تزيد من منعة الأنظمة الغذائية العالمية، لضمان إمكانية الوصول والتكلفة القليلة والجودة، مع حماية بيئتنا في الوقت ذاته.

لذا أصدقائي، لقد جعلتنا جائحة «كورونا» سواسية، فليكن هذا أحد الدروس الإيجابية التي نتعلمها في هذا الوقت الصعب ونحن نتطلع إلى الأمام.

فلنسمح لتعاطفنا ولإحساسنا بظروف غيرنا أن يقودا مسيرتنا نحو التقدم والتعافي، فيما نبني جسوراً ليس لتبادل الإمدادات والخبرات الأساسية فحسب، بل لتبادل الأمل والأفكار الإيجابية أيضا.

فلنسمح لإنسانيتنا أن تقود المسيرة.

شكرا جزيلا، بروفيسور شواب».

وفي معرض إجابة جلالته على سؤال من المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور كلاوس شواب، في جلسة حوارية تبعت الكلمة، حذر جلالة الملك مجدداً من خطر نقص الغذاء الذي قد يواجه العالم في مرحلة ما بعد جائحة «كورونا».

وأشار جلالته إلى ضرورة تواصل الدول مع بعضها بعضا لتقاسم الفائض من الموارد في أوقات الأزمات، مؤكدا أن أزمة مثل فيروس كورونا لا تقف عند الحدود ولا تفرق بين الغني والفقير، مما يدعو إلى التركيز على الانتقال من السياسة إلى الحلول العملية.

وردا على سؤال حول مئوية الدولة الأردنية، أكد جلالته فخر الأردن بإنجازات شعبه وبمنعته وقدرته على تحويل التحديات إلى فرص، على مدى المئة عام الماضية، على الرغم من الاضطرابات الإقليمية والدولية، معربا عن تفاؤله بقدرة الشباب الأردني على تعزيز مسيرة الأردن في مئويته الثانية.

وأشار جلالة الملك إلى أن الكثيرين أحيانا ما ينظرون لدور الأردن كأمر مسلم به، لأن الجميع يعرف أنه سيفعل الصواب دوما، وذلك يمنح الأردن صوتا مسموعا ومصداقية في المجتمع الدولي تتخطى حجمه، لأنه يلتزم بما يقوله.

وفي بداية الجلسة، أشاد البروفيسور شواب بجهود الأردن، بقيادة جلالة الملك، في الحفاظ على استقراره في مواجهة الظروف الإقليمية، الأمر الذي جعل للأردن دورا دبلوماسيا قويا في الإقليم والعالم.

وأشار شواب إلى أن قدرة الأردن على التعامل مع جائحة «كورونا» دلالة على فاعلية المؤسسات الأردنية، مثمنا حرص الأردن على رعاية اللاجئين، خاصة في ظل تداعيات الوباء.

ويأتي الاجتماع، الذي بدأ في 25 من الشهر الجاري ويستمر إلى 29 من الشهر ذاته، في إطار الجهود الحثيثة لبناء شراكات عالمية للتصدي للتداعيات الإنسانية والاقتصادية لجائحة كورونا، وإيجاد حلول مبتكرة لدفع عجلة التعافي في الفترة المقبلة.

كما يركز على سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص، لمواجهة قضايا عالمية ملحة، كتسريع حملات التطعيم ضد كورونا، وإيجاد المزيد من فرص عمل، ومجابهة أثر التغير المناخي. (بترا)

مقالات ذات صلة