لماذا الحزن على مرسي؟

أحمد حسن الزعبي

قليلة بل نادرة هي المرات التي تجمع بها عاطفة الشعوب العربية بالحزن على زعيم عربي..فالشعوب التي تعاني الويلات من أنظمتها وزعاماتها من فقر وترويع وتجهيل وظلم وفساد وديكتاتورية تأبى عاطفتها الشفقة او التعاطف حتى في المراحل المفصلية بين الحياة والموت.. فلماذا إذن كل هذا التعاطف والحزن والغضب الشعبي الكبير على رحيل الرئيس المصري السابق د.محمد مرسي؟..

الجواب لا يحتاج إلى كثير من التفكير ولا التجميل ، الناس لم تحزن على رحيل شخصه وحسب ،فالموت حق،ولن يحظى أي من البشرية بالخلود..الحزن كان أولاً على مشروع ديمقراطي لم يكتمل ، لا بل تم إفشاله بكل ما أوتيت الأقطاب الغربية والعربية من قوة ، فأول زعيم مصري يتم انتخابه منذ التئام البشرية على أرض الكنانة يرمى بالسجن ست سنوات ظلماً وزوراً وتعذيباً لا ذنب له ولا جرم سوى أنه فاز بأصوات الشعب عن طريق صناديق الاقتراع بملء إرادة الأمة..وثاني أسباب الحزن كان على قتل الديمقراطية بطريقة انتقامية ، وقتل كل الأحلام والطموح بالنهضة والتطور والالتحاق بدول سبقتنا مئات السنوات الضوئية بعد ان قررت أن تصغي لخيارات الشعوب وتحترم إرادتها وتمشي بما يرتقي الى تطلعاتها العظيمة..والنكوص الى عهد “البساطير” والفراعنة الجدد والآلهة البشرية الذين لا ينقدون ولا يُعارَضون ولا يخطئون ولا يخونون ولا يموتون أيضاَ..

لقد تعاطف عشرات ملايين العرب مع رحيل الرئيس الأول والأخير الذي حملته أكف الناخبين ،ودفنت جلّ الأنظمة العربية رؤوسها بالرمال ،محاباة وخوفاً ومجاملة للجلاّد والمنقلب، ولم تجرؤ على تعزية أسرته الصغيرة أو الملايين من ناخبيه ومريديه ، لكنه كسب في نفس الوقت تعاطف الجماهير العريضة الصامتة و تعاطف معه حتى الذين اختلفوا مع سياساته ولا يتفقون مع ايدولوجيا حزبه ،حتى الذين لم يظهروا حزنهم أو رفضوا الترحّم عليه وادعوا التشّفي برحيله ، يعرفون في قرارة أنفسهم جيّداً أن الرجل قد عُزل ظلماً، وسجن ظلماً، ومات ظلماً، ونظرية التصفية ليست بعيدة عنه وفي ذلك علامات ودلالات.. وكل من يحاول أن يفرح لموته فهو لا شكّ مفصوم أو يجافي المنطق أو يبحث عن مصلحة..

رحل من كان يحلم باكتفاء ذاتي لمصر،من كان يخطط للنهوض بوطنه ويؤمن بمقدراته، رحل من وقف مع غزّة في وقت كان يتسابق بعض الزعماء بغرس السكين في ظهر سيدة البحر الصامدة ، رحل وفي عقله ألف مشروع وألف حلم وألف انجاز لوطن واحد..
رحل محمد مرسي بتجربة رئاسية قصيرة ،لكنّه سيبقى أكثر حضوراً ممن يظهرون صبح مساء على الشاشات يعلكون الفشل والتبعية والسطحية على كرسي الحكم ..مُرسي ..كنت الربّان والمرسى..

لا ترافع بعد اليوم يا سيادة الشهيد..فمحامي الدفاع الذي سيتولاّك…الله العادل الباقي المنتقم العزيز والجبار.

مقالات ذات صلة