العرب بين فكي “نظرية المؤامرة” و “الفوضى الخلاقة ” .. عبد اللطيف المجدوب

 

تعج العلوم السياسية بمفاهيم وإشكاليات ؛ هي من التعدد والتنوع ؛ حيث لا يمكن حصرها ، وإن كانت تمس في أبعادها وسياقاتها الجماعات الجغرافية البشرية وأعراقها والدول والحكومات ، بهدف دراسة عناصر مكوناتها وخصوصياتها والتفاعل فيما بينها ، لاعتمادها في رسم المخططات وحبك السيناريوهات الممكنة ؛ وصولا إلى التحكم في آلياتها والسيطرة على مقومات عيشها . ولعل أبرز هذه المفاهيم :

نظرية المؤامرة ، ثم أخيرا الفوضى الخلاقة ؛ والتي انتشرت مؤخرا في أدبيات سياسة الشرق الأوسط عقب ضربة 11/9 . فنظرية المؤامرة Conspiracy Teory ” …هي سلسلة من الأفعال غير المشروعة ، تستهدف جهة معينة للزج بها في مواقف محددة للتحكم في مسيرتها ، وهي غالبا متبناة من قبل الدول الكبرى . وبرأي أحد روادها مايكل باركون (… ـ 1938 ) ؛ Michel Barkun ” تعتمد نظريات المؤامرة على نظرة أن العالم محكوم بتصميم قائم على ثلاث ركائز : لا للصدفة ؛ ولا شيء حقيقي كما يبدو عليه ؛ وكل شيء مرتبط ببعضه ”

وهي ؛ في عمقها ودلالتها الإجرائية ؛ السعي إلى التحكم في مساعي الآخر ، بتوظيف معطيات ضخمة Big Data .

أما الفوضى الخلاقة Creative Cheos فهو من المفاهيم السياسية المستحدثة في العقدين الأخيرين ، ويعني ” .. إثارة اللانظام والفوضى بغية خلق وضعية جديدة ، أو بالأحرى إبداع شيء من الحطام والفوضى . ولهذا المصطلح جذور في الثقافة الماسونية منذ عهود خلت ، إلا أن تطبيقه لم يطف على السطح إلا في أعقاب غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق …”

عرّاب نظرية المؤامرة وتدمير الجغرافية العربية

يعتبر برنارد لويس ( 2018ـ 1916 )Bernar Lewis أبرز مهندسي سايكس بيكو 2 ، ممن أعاثوا الفوضى (الخلاقة) وتقسيم منطقة الشرق الأوسط وإغراقها في وحل الخلافات المذهبية ، وهو صاحب نظرية ” إن استعمار الشعوب العربية نعمة للتخلص من آفة الجهل والتخلف التي أرستها فيهم الأديان السماوية ، لا سيما الإسلام ..” .

كان قد تخصص في الدراسات الإسلامية ، وينسب له قوله : ” .. إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم ؛ وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية مدمرة للحضارات ، والحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية ” .

لذا ؛ وتبعا لهذا المخطط الاستراتيجي في تضييق الخناق على الإنسان العربي المسلم ؛ طالبت عديد من الجهات وفي مقدمتها الأحزاب اليمينية المتطرفة بإعادة النظر في معايير الالتحاق بالمهجر بالنسبة للعرب المهاجرين ، في أفق “تطهير” أراضي أوروبا وأمريكا من وجودهم .

المنطقة العربية أرض خصبة للتجريب !

منذ الثورة الخمينية التي دمرت الحسابات الغربية ، والتي كانت من تداعياتها الضربة الشهيرة 11/9 ، جعل الغرب كل اهتماماته منصبة على حقن الجغرافية العربية بكل الفيروسات الإرهابية الممكنة ، والتي يعد “الربيع العربي” أبرز تجلياتها في إحلال الفوضى وتقويض البنيات الاجتماعية العربية ، موظفا بالدرجة الأولى “نظرية المؤامرة” ؛ كاستغلال عوامل الجهل والفقر والتفكير السحري والغطرسة والطائفية … لذلك اعتبرها الكثيرون من دعاتها أرضا خصبة للتجريب ، سواء تعلق الأمر بالفوضى الخلاقة لتشكيل جغرافية بشرية جديدة ، أو تجريب أسلحة فتاكة للاستعانة بها على تناحر الجماعات والتنظيمات الإرهابية بالمنطقة .

“صفقة القرن” والتآمر على فلسطين

ترمي أمريكا/ترامب ودلوعتها إسرائيل من وراء عقد هذه الصفقة إلى تغيير جغرافية الشرق الأوسطية في اتجاه ضمان عمق استراتيجي لإسرائيل في التوسع والهيمنة على الموارد الطبيعية للمنطقة ، أما قضية فلسطين فستُلقي بتبعاتها على أقطار عربية مجاورة كالأردن ومصر وسوريا والعراق ولبنان ودول الخليج بأن تلحق بها فلسطين الشتات ، وبذلك يتم لهم إقبارها نهائيا ، تمهيدا لتحقيق حلم قيام إسرائيل الكبرى التي ستمتد حدودها من الخليج إلى أجزاء من إفريقيا .

ولعل فوضى الوضع السياسي العربي المضطرب مهد لحماة إسرائيل باستغلال هذه الفوضى وتحويلها إلى خلق جغرافية سياسية جديدة تكون فيها الهيمنة لإسرائيل الكبرى .

 

مقالات ذات صلة