وزير سابق: كل الفاسدين هم أبناؤنا

قال الوزیر السابق والخبیر الاقتصادي جواد عناني إن جمیع المسؤولین ارتكبوا أخطاء، وفسحوا للفساد، واستسلموا لصندوق النقد
الدولي، وأضاف “نحن بسلوكنا لا نقل فساداً ونحن نرضى بالحال، وبیدنا الحل ولا نرید أن نقبل إلا بوظائف عامة حتى ولو لم نكلّف أنفسنا
عناء الدوام في الدوائر التي تستخدمنا. كل الفاسدین ھم أبناؤنا ونحن الذین ربیناھم في بیوتنا وعلمناھم في مدارسنا”.
وكتب العناني مقالا نشرتھ صحیفة الغد تالیا نصه:
یذكرنا المؤرخ الإسرائیلي “آفي شلایم” بمقولة شھیرة لرئیس الوزراء البریطاني الأشھر “وینستون تشرشل”، والتي تنص على أنك إن أردت
أن ترى أبعد ما یمكن في المستقبل، فعلیك أن ترجع للخلف إلى أقصى حد ممكن”.

والسؤال المطروح باستمرار في كل جلسات الأردنیین ھو “إلى أین نحن ذاھبون؟” ومن الإجابات المألوفة عن ھذا السؤال التذكیر بأن الأردن
ّ قد مر بتحدیات خطیرة، واستطاع أن یعبرھا ویتجاوزھا.
في عقد الثلاثینیات عانى الأردن من أزمتین حادتین: الأولى الجفاف وانحباس المطر فتراجع محصول القمح والحبوب مما أحدث مجاعة لولا
تزوید بعض الدول لنا بمساعدات غذائیة.
والأزمة الثانیة الكساد العالمي، وكانت وطأته شدیدة آنذاك على الاقتصاد المحلي.
وفي الأعوام 1967-1972 ،أي بعد حرب حزیران واحتلال الضفة الغربیة ونزوح ثلاثمائة ألف شخص وأكثر إلى الضفة الشرقیة، ثم أحداث
العام 1970 ،جعلت الاقتصاد الأردني یتراجع بأكثر من (2 (% في بعض السنوات. فانتشرت البطالة، وبرزت تحدیات كبیرة أمامنا. واستطاع
الأردن أن یتجاوز تلك المحن بخطة ثلاثیة (1973-1975) .

(وحققت الخطة أھدافھا، علماً أن الدینار خفض العام 1972 وارتفعت الأسعار.
والسبب كان تضافر التخطیط الداخلي مع ظروف موائمة نتجت عن ارتفاع أسعار النفط في نھایة العام 1973 وبدایة العام 1974.
وبعد عقد وأكثر من النمو السریع والغلاء وانعدام البطالة، وبناء الأردن انخفضت أسعار النفط العام (1986 ،(وتراجعت الاقتصادات العربیة.
وبدأ الأردن یعاني من عجز بالموازنة، وارتفاع بالدین العام. وبوصولنا لعام (1989 (تراجع سعر صرف الدینار، ووصلت المدیونیة لضعف
الناتج المحلي الإجمالي.
وبسبب موقف الأردن من حرب الخلیج، وعدم دخولھ بالتحالف ضد العراق، قوطع عربیاً ودولیاً ووصلت الأزمة حدھا الأقصى بعد حرب
الخلیج في شھر كانون الثاني العام 1991 .وحینھا دخل الأردن في مفاوضات السلام، وعادت العلاقات بالتدریج مع العرب والغرب، ولكن
سنوات التسعینیات كرست كلھا لمواجھة أزمة المدیونیة، وتعزیز المالیة العامة، وبناء الأرصدة الاحتیاطیة من العملات الأجنبیة لدى البنك
المركزي. وبعد ھبوط سعر صرف الدینار العام (1989 (وصلت نسبة التضخم (25 %) في السنة، وتجاوزات البطالة 18.%
وھا نحن نعیش أزمة اقتصادیة متفاقمة أسبابھا عدم استقرار السیاسات الاقتصادیة داخلیاً وغیاب تصور واضح للأولویات رغم كثرة البرامج
التي وضعت لھذه الغایة. وھناك أسباب خارجیة إذ بات واضحا أن الأردن یتعرض لضغوط لكي یلعب دوراً یرفض أداءه في القضیة
الفلسطینیة.
جربنا بالسبع سنوات الأخیرة أنموذج الإصلاح المالي لتقلیل نسبة الدین العام الداخلي والخارجي إلى الناتج المحلي الاجمالي، ولكن الحصیلة،
ارتفاع ولو تدریجي وصغیر في نسبة الدین العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وزیادة حجم الدین العام، وارتفاع نسبة البطالة إلى 20 % بین
الأردنیین، وارتفاع نسبة الفقر، مع بروز ظاھرة الفقر المدقع الذي لم نعرفھ بالعقود الخمسة الأخیرة.
ومع ھذا فإننا نصر على تطبیق نفس السیاسات بنفس الأدوات وبنفس الأسلوب ونتوقع بعد ھذا تغیراً في النتائج. وھذا ضرب من الخیال أو
عدم الإدراك.
إن ظروف الأردن السیاسیة والدیمغرافیة والشبابیة والنسائیة، وتعقد الاقتصاد، یتطلب تغییر السیاسات والأدوات والوسائل. یجب أن ترفع عدد
الوظائف بالقطاعات الانتاجیة لتخلق فرص عمل للأردنیین. وحل مشكلة البطالة بین صفوف الشباب ھي أولویتنا المنطقیة لكي نصل إلى
استقرار داخلي، ونقلل من مظاھر الفقر والعنف والتطرف والإدمان وحالة عدم الاكتراث بالقانون أو بمؤسسات الدولة العامة منھا والخاصة.
ّ عن أذھان المسؤولین؟
البعض یقول: وھل من المعقول أن یكون الحل غائباً
ونجاعتھ مشكوك فیھما إلى حد كبیر. والجواب معقد. ھنالك فساد ویجب استبدالھ بالنزاھة وحب الوطن والتعفف عن مد الید إلى المال العام.
حل بمزید من الجریمة.
ومن العبث أن نمنح أنفسنا رخصة الاعتداء على المال العام بحجة أن بعض المسؤولین فاسدون. فالجریمة لا تُ
وثانیاً یجب على كل شخص سواء كان في مراتب السلطة العلیا أو مواطناً مستنكفاً عن الحیاة العامة: أن یتساءل ھل أنا جزء من الحل أم جزء

من المشكلة؟
كیف یرضى الآباء أن یبقى أبناؤھم وبناتھم عاطلین عن العمل لسنوات، بینما یجد الآلاف من غیر الأردنیین فرص عمل؟
لا كبریاء لھ قیمة إذا كان یضر بالوطن، ویترتب علیھ أعباء متزایدة. كیف نقبل أن یكون لدى دیوان الخدمة المدنیة مئات الآلاف من الطلبات
في الوقت الذي یشغل فیھ غیر الأردنیین حوالي ملیون فرصة عمل؟
المسؤولون ارتكبوا أخطاء، وفسحوا للفساد، واستسلموا لصندوق النقد الدولي، ولكننا نحن بسلوكنا لا نقل فساداً ونحن نرضى بالحال، وبیدنا
الحل ولا نرید أن نقبل إلا بوظائف عامة حتى ولو لم نكلّف أنفسنا عناء الدوام في الدوائر التي تستخدمنا. كل الفاسدین ھم أبناؤنا ونحن الذین
ربیناھم في بیوتنا وعلمناھم في مدارسنا.

 

خبرني

مقالات ذات صلة