تطوير القطاع العام أم تأزيمه

مالك العثامنة

حرير- أسوأ تجارب الأردن في الإصلاح هي في قطاع الإدارة العامة للدولة ومؤسساتها، وما تزال التجربة تتعثر بالفشل كل مرة.

في حياة سابقة لي في الأردن، كنت مكلفا بالتغطية الإعلامية في تطوير القطاع العام، وكانت حينها وزارة “دولة” ناشئة حديثا، يتعاقب عليها الوزراء، وكل له طريقته التي تجب ما قبله من عمل في قطاع ضخم وثقيل مرتبك أصلا.

مما أذكره أن مسؤولا حكوميا أفردت له صحيفة يومية عام 2003 مقابلة كان جلها هجوما على وزارة تطوير القطاع العام وعملها وفلسفتها بالكامل، وطالب بإلغائها بالمجمل. والمفارقة “التي لا تحدث إلا في الأردن فقط” أنه كان وزير تنمية إدارية في الحكومة السابقة، وصار وزيرا لتطوير القطاع العام بعد ثلاث سنوات في حكومة لاحقة.

لا يمكن الحكم ان الوزارة كانت فشلا أو نجاحا، القصة لا تكمن في الوزارة وهيكلها ومبانيها أو كانت وزارة دولة أو وزارة مكتملة الكادر الوظيفي، بقدر ما يتعلق الأمر بالهدف الأساسي منها، وما هي استراتيجياتها “التي كانت توضع من شركات أجنبية أحيانا” أو استراتيجيات فهلوة كلامية لا تعني شيئا ومتخمة بالمصطلحات والإبهار اللوني في عروض التقديم “البرزنتيشن”.

الحال كما هو عليه منذ ذاك الوقت حتى اليوم، وأحاول فهم كلام وزير الدولة لتحديث القطاع العام في حديثه عن

خريطة تحديث القطاع العام التي أعلنها قبل زمن فلا أجد إلا إعادة حراثة للبحر، لا أكثر.

أخطر ما في الخريطة الجديدة التي يتحدث عنها الوزير تلك التعليمات التي تتعلق بالإجازة بدون راتب، وهي تشمل مساحة كبيرة من الموارد البشرية “الموظفين يعني بلغة أدق” والتي وجدت فرصا للعمل في دول عربية وخليجية برواتب مجزية نصفها يتم الاستفادة منه عبر تحويلاتهم إلى الأردن!

القرار يعني عودة جماعية ضخمة أشك بشدة أن الدولة ومؤسساتها مستعدة لها، وهو ما سيعني ببساطة عبئا ثقيلا على الدولة والقطاع العام بالمجمل، القطاع المنهك حد الشلل بخزانه الوظيفي المتخم أساسا، غير أن الموضوع ليس أولوية حقيقية أمام أزمات القطاع العام الحقيقية، ومنها اعتراف الوزير نفسه في مقالة تلفزيونية أن الناس غير راضية عن نوعية الخدمات المقدمة والتي تحتاج إلى تطوير حقيقي يشمل تأهيل الموظفين أنفسهم، وقضايا الفساد التي استشرت وإنكارها يشبه إخفاء الرأس في الرمال.

ملف تطوير القطاع العام ملف ثقيل وحساس ويتطلب رؤية خبرة معرفية شاملة، تضع هذا القطاع في مسار الإصلاح الكامل والبنيوي للدولة بالتوازي مع الإصلاح السياسي والاقتصادي، وبدون القطاع العام لن يتحقق أي إصلاح على أي مستوى.

عملية إعادة تدوير المصطلحات وتطويع “الأرقام” للوصول إلى نتائج وأحكام مسبقة ليست أكثر من “فهلوة” خصوصا أن ملف تطوير القطاع العام واستراتيجية التحول الرقمي المنشودة هي بعناية الملك، واشراف مباشر من ولي العهد الذي أعرف تماما أنه يسعى بجدية للبحث عن حلول حقيقية، وهذا يعني أن نستعين بالخبرات المعرفية الموجودة على الأرض داخل الأردن وخارجه، لوضع استراتيجية مهما كانت بطيئة إلا أنها قابلة للتطبيق بدون خلق ارتباكات في الدولة ومؤسساتها.

الاستراتيجية المعلنة أخيرا، قد أكون مجحفا بحقها، لكنها بالتأكيد تثير الجدل، وهذا يتطلب إعادة نظر فيها ووضعها بكل أرقامها موضع البحث من جديد، قبل أن تستمر الكارثة التي ما تزال تتضخم منذ سنوات طويلة.

مقالات ذات صلة