منسف “الجاج” أزكى

حرير –

أحبُّ أفخاذ الدجاج إنْ كُنّ غارقات في لبن المرّيس ، أما لحم الصدر فلا أرغبه فليس ثمّة ما يجذبك إليه … ما زلتُ أرى منسف الدجاج أشهى ، ربما لأنه كان طعام الفقراء للعائلة يوم الجمعة ، أو كلمّا داهمكَ ضيّف فجأة .
يدخلُ اللحم قليلا بيوت الفقراء ، إما تشتريه مستوردا رخيصا ، وإما بلديا مغشوشا من جزار فاسد .. وإما تنتظر عشاء لأهل ميّت ، أو غداء “القرا” لعريس فتتزّفر باللحم وأنتَ تستمعُ وتستّمتعُ بثغاء “الجديان” البلدية.
لبنُ المنسف الزائد عن وجبة عشاء البارحة، هو أيضا فرصة لرّبة البيت ، فقد ذهبتْ قطع الدجاج وتسابقتْ إليها الأيادي ، أما بواقي الأرز فذهب علفا لدجاج الخمّ ، المهم هذا المرق الفقير ينفع ليكون أساسا ” للرشوف ” ، ولكن تصطدم بإشاحة وجوه الصغار عنه خاصة في الصيف ، ربما الرشوف والعدس وجبة شتائية تدفئ قلوب الفقراء دائما .. كانت الأمهات يُفرشُن فتات الخبز البائتة والناشفة في قاع الصينيّة ليكون مشروعا لفتّة الرشوف ، لذا حرصنَ أن لا يتخلّصن من فتات الخبز الجاف ، أو يضعنه في الحاويات كأيامنا اليوم .
في سفرة الطعام ، صرنا نتعفف من عشرات الأصناف والأطباق ولكن بلا طعم أو لذّة ، يصاحبه تذمرا من الجيل الجديد رغبة بالأكل الجاهز من المطاعم ، فالقضيّة ليست إختلاف الذائقية وتباين الشهية ، القضية هي أننا كنا نجوع ونرى أي طعام يقدم لنا أنه نعمة ، نحمد الله عليها ونشكر أمهاتنا اللواتي إنحنتْ ظهورهنّ وتكسرتْ ركبهنّ وهنّ يحرّكنْ لبن المنسف حتى لا “يفرفط” .!!

بقلم الدكتور محمد عبدالكريم الزيود

مقالات ذات صلة