قاموس المقاومة وصراع الأمة مع الكيان الصهيوني (1)

سيف الدين عبد الفتاح

حرير- في هذه الأوقات الفارقة والأحداث الكاشفة علينا أن نتابع الدروس التي تعلمنا إياها معركة “طوفان الأقصى”، والتي تتعلق بكيف يمكن لمصطلحات العدو أن تغزونا بشكل أو بآخر أو تتسلل إلى مداركنا وعقولنا؛ وكيف أن المقاومة في ذات الوقت تفرض مفاهيمها الكبرى.. ضمن هذا السياق سنقدم في هذه السلسلة ما تمكن تسميته “قاموس المقاومة”، بما فيها التعرف على العدو وقصة فلسطين وصراع الأمة وتدافعها وهو عمل بحول الله سيكون موضع اهتمام في مجموعة من المقالات في هذه السلسلة التي فرضت نفسها على القلم.

تحاول هذه السلسلة أن تجمع كل مفاهيم المقاومة وتؤكد عليها وتصنف تلك المفاهيم ضمن منظومات مهمة، خاصة تلك المفاهيم والأفكار والأحداث بل والأشخاص الذين يرتبطون بصراع الأمة مع الكيان الصهيوني، هذا الأمر إنما طرأ من خلال طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، معبرا بذلك عن هذا المعنى في المقاومة في مواجهة الكيان الغاصب والغاشم المحتل.. هذه القصة لذلك الصراع وصفحات ومحطات التدافع في مساره.

إن بقاء مفاهيم المقاومة التي تسري في الأمة هو الأمر اللائق الذي يتعلق بشهادتها وشهودها وشهدائها، ومن ثم فإننا سنحاول أن نشير فقط إلى ما يمكن أن يتضمنه ذلك القاموس في هذا السياق؛ الذي لن يتوقف عند هذه المفاهيم الحافزة للأمة، بل كذلك سنتطرق إلى مفاهيم أخرى سلبية تحاول أن تتسلل إلى هذه الأمة وتشكل مادة للتسميم السياسي في هذا المقام؛ والتي يجب أن نتعرض لها فنؤكد على مفاهيمنا الإيجابية الناهضة، ومن ناحية أخرى نفكك تلك المفاهيم المتسللة والغاصبة من مصطلحات العدو والخطاب الذي يروج له؛ والتي تقوم بعمليات تفت في عضد الأمة وكيانها وكل الوسائل التي تعلق بأمنها، ذلك أن مفهوم الأمن لا يقع فقط في المسائل العسكرية، ولكنه يقع كذلك في بنية الخرائط الذهنية والمعرفية والإدراكية لعموم الناس؛ التي يمكن أن ترسخ في عقولهم أو تسكن نفوسهم، فيؤسس ذلك إلى وعي بصير ليؤكد المعنى الإيجابي الناهض، ويطرد مقاوما كل مفهوم أو فعل ينال من هذه الأمة ويفت في عضدها.

ومن ثم فإن هذا المعجم يتضمن مفاهيم تأسيسية في الصراع العربي الصهيوني واتصالها بقاموس المقاومة من جانب والحدث الجليل المرتبط بمعركة طوفان الأقصى الكبرى؛ ذلك أن من المفاهيم التأسيسية في صراع الأمة مع الكيان الصهيوني تتمثل في المفاهيم التي تتعلق بطبيعة الصراع وخصائصه الكبرى والتي تحدد في ذات الوقت المعنى الذي يتعلق بالمقاومة وضرورة المدافعة والتدافع في الأمة، هذا الصراع الذي يرتبط ليس فقط بأمة العرب، ولكنه كذلك يرتبط في دائرة أوسع بالأمة الإسلامية كلها، بل وبعد هذا الطوفان، طوفان الأقصى؛ يرتبط بالإنسانية كلها، ومسؤوليتها التي يجب أن تضطلع بمهامها لحماية القيم الأساسية والإنسانية الكبرى التي لا يجوز التنازل عنها لأنها ترتبط بالإنسان كإنسان كما ترتبط بالأمة كعقيدة.

وفي هذا السياق حينما نتحدث عن مفهوم صراع الأمة مع الكيان الصهيوني فإننا نحدد له أربع خصائص على الأقل:

أولا، هو صراع حضاري؛ هذا الصراع الحضاري إنما يقوم على قاعدة من الإدراك الحضاري الشامل لهذا الصراع بكل أبعاده، كيف أن إسرائيل (الكيان الصهيوني) قد اصطنعت بشكل أو بآخر في جغرافيا المنطقة، في محاولة لتقديم رأس حربة للغرب الذي يحاول السيطرة على هذه المنطقة من خلال الوجود المباشر، أو من خلال صنيعته إسرائيل بشكل غير مباشر ومباشر أيضا كما أثبتت الأحداث الأخيرة.

ومن هنا فإن طبيعة هذا الصراع الحضاري إنما يتعلق بمسألة النهوض ومسألة التقدم، ومواجهة التخلف، ولعل هذه المعاني هي التي تجعل من هذا الصراع صراعا حضاريا شاملا في معناه وفي مبناه، في غايته وفي مقاصده.

الأمر الثاني، هذا صراع مصيري، ذلك أن الصراع المصيري هو الذي يتعلق بمصير طرفي الصراع المباشرين، واللذين يتصارعان بين عقيدة صهيونية تؤكد على قضم الأرض في إطار مشروعها الاستيطاني التوسعي، وبين عقيدة أخرى تؤكد على هذه الأرض باعتبارها أرض فلسطين (كامل تراب فلسطين). وفي حقيقة الأمر فإن قصة الصراع يمكن أن تحكي لنا ما قبل العام 1948 منذ أن أُسست الحركة الصهيونية، ومنذ هرتزل، بل وقبل ذلك بوعود من نابليون إبان الحملة الفرنسية، وكذلك تعلق الأمر في أخريات الدولة العثمانية.

أما الأمر الثالث، فهو صراع وجودي؛ وهو نابع ومؤسس على ما سبق وأشرنا إليه في النقطتين السابقتين، إذ يعني ضمن ما يعني أن وجود طرف ينفي وجود الطرف الآخر. فالكيان الصهيوني الذي اصطنعته القوى الاستعمارية الغربية لم يكن موجودا قبل العام 1948، ولعل تلك الخطابات دائما ما يفتخر بها رئيس الولايات المتحدة، بايدن، فيقول “إن إسرائيل إن لم تكن موجودة فعلينا أن نوجدها”، وهو هنا يميط اللثام عن هذه النشأة المصطنعة، كما أكد على هذا التوجه بقوله إن الولايات المتحدة الأمريكية قد اعترفت بدولة إسرائيل بعد إحدى عشرة دقيقة، ولعل ذلك يدينه، فأين كانت إسرائيل قبل العام 1948، نسأله؟ ليتأكد الجميع أن هذا الكيان المصطنع لم يكمل القرن بعد في الوجود، ولكنه وُجد ككيان مصطنع في إطار وظيفي في تلك المنطقة الاستراتيجية.

الأمر الرابع، أن الصهيونية والكيان المتعلق بإسرائيل إنما يشكل دولة وظيفية؛ كرأس حربة ومقدمة للحضارة الغربية، وهو المعنى الذي يجعلنا نعرف الصراع في أصوله وجذوره وفي امتداداته الجغرافية في كل ما يتعلق بخريطة المواقف التي كشفت عنها طوفان الأقصى، خاصة من هؤلاء الذين يمثلون ما تسمى بالحضارة الغربية؛ الذين يعبّرون في هذا المقام عن موقف صهيوني خالص مقترن بالدعم الكامل وبدون قيد أو حد سواء بالمال أو السلاح أو الدعم البشري.

هذه الأمور الأربعة تعبر عن طبيعة هذا الصراع التي تتعلق بمصيريته ووجوديته وحضاريته؛ وهذا السرطان الخبيث الذي زرع في الأمة حتى يقوم على إنهاكها وحراسة تخلفها ووقف نهوضها.

وفي إطار فهمنا لهذا الصراع والإمساك بأركانه الرئيسية نشير إلى أمر غاية في الأهمية؛ ألا وهو العقيدة الصهيونية باعتبارها فكرا أيديولوجيا وطنيا سياسيا يدعو إلى إنشاء وطن قومي لمجموعة دينية اجتماعية هي الشعب اليهودي. ويعتبر اليهودي النمساوي ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية، وقد تأسست الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وسط تزايد العداء للسامية في أوروبا؛ واستطاعت الحركة تأمين الدعم لها من قبل الحكومات الأوروبية الغربية والولايات المتحدة، خاصة بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين التاريخية. كان هدف الصهاينة الأساسي الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين التاريخية بأقل عدد ممكن من أهلها الفلسطينيين؛ وما يزال الهدف كما هو.

ومن ثم نتساءل: كيف أن هذه العقيدة الصهيونية أرادت أن تتمدد حتى في المجال الإسلامي والعربي، وهنا اصطنعت مجموعة من الأدوات التي تقوم على قاعدة من التسميم السياسي والتضليل الإعلامي في هذا المقام؛ حينما قامت بعض النظم الحاكمة في العالم العربي باتخاذ مواقف هي أقرب إلى التصهين منها إلى المواقف التي تفرضها عليها حقيقة الوضع وحقيقة الانتماء والهوية.

وفي هذا السياق نستطيع أن نقول إن مسألة التطبيع هي مسألة يقوم بها العدو ويقوم بها كل المساندين لهذا العدو الصهيوني؛ دعما أساسيا وماديا ومعنويا وكل ما يتعلق بهذا الكيان الصهيوني بقاء واستمرارا.

ومن هنا وجب على الأمة أن تشكل إطارا استراتيجيا في الكيان الصهيوني كآخر كيان استيطاني في العالم، وعليها ألا تنسى أن إسرائيل دولة محتلة، وأن الكيان الصهيوني هو دولة مصطنعة. ووفقا للقانون الدولي وما يفرضه من أعباء وواجبات والتزامات التي تقع على دولة الاحتلال، وكذلك من ضمن ما يرتبه أيضا القانون الدولي، فإن أي ممارسة لإنهاء الاحتلال هو أمر مشروع في إطار حق تقرير المصير، ومشروعية المقاومة لهذا الكيان الصهيوني الغاصب.. ضمن هذا الإطار ستكون هذه السلسلة التي تفضح العدو وقصة غصبه وترسخ معاني وأفعال المقاومة الرافعة والدافعة والجامعة للأمة.

مقالات ذات صلة