خليفة حفتر… رجل القذافي وعدّوه اللدود
خليفة حفتر… رجل القذافي وعدّوه اللدود
تتوارد منذ يوم أمس الخميس 12 نيسان/أبريل 2018 تقارير وأنباء متضاربة تفيد بأن القائد الليبي خليفة حفتر موجود في العاصمة الفرنسية باريس للعلاج بعد أن انتقل إليها جواً من الأردن لمتابعة حالته الصحية التي وصفت بـ”الحرجة”. وحفتر (75 عاما) هو الشخصية المهيمنة في شرق ليبيا منذ عدة سنوات وينظر إليه على نطاق واسع على أنه يسعى للسلطة في البلد الغني بالنفط الذي يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة.
رغم أن نجم خليفة حفتر برز خاصة في خضم الحرب الأهلية الليبية، إلا أن له تاريخاً معتبراً في أوساط الجيش الليبي كما أنه متمرس بالمشهد السياسي في البلاد منذ وصول العقيد معمر القذافي إلى السلطة عام 1969. فمن هو هذا العسكري الذي قد لا تسمح له حالته الصحية، فيما لو ثبتت الأنباء عن تدهورها، في أن يكون رجل ليبيا الأقوى على الإطلاق؟
البدايات والخبرة العسكرية
ولد حفتر عام 1943 وتعود أصوله إلى قبيلة الفرجاني التي تتركز في مدينة سرت (وسط) مسقط رأس العقيد القذافي. درس حفتر في الأكاديمية العسكرية الملكية في بنغازي حيث التقى بالقذافي وشارك معه في انقلاب 1 أيلول/سبتمبر 1969 الذي أطاح بالملك إدريس الأول السنوسي وأعلن إقامة “الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى”.
أرسل عام 1973 في مهمة سرية لمناقشة المشاركة الليبية في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. وكان حفتر قد صرح مرةً أنه قاد بنفسه وحدة من الدبابات عبرت خط بارليف الإسرائيلي الحصين على طول قناة السويس الأمر الذي جعله وزير الدفاع المصري حينها أحمد إسماعيل يقلده وسام سيناء.
بين نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، سافر حفتر إلى موسكو لاتباع دورات تدريبية في مدارس أركان الحرب السوفيتية الشهيرة. لكن بالنسبة لحفتر، كان إرساله إلى الاتحاد السوفيتي مناورةً من القذافي لإبعاده عن طرابلس.
في ظل نظام القذافي
قاد خليفة حفتر قوات الاستطلاع في الجيش الليبي وشارك في ظل نظام القذافي في عمليات استهدفت الحفاظ على التواجد العسكري الليبي في قطاع أوزو على الحدود مع تشاد وذلك خلال الصراع الذي جمع الجارين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وانتهى بهزيمة ليبيا. دعمت كل من فرنسا والولايات المتحدة تشاد وخاصة في المعارك الأخيرة في نيسان/أبريل 1987 والتي أسر حفتر خلال إحداها.
وفي مقابلة عام 2015، كشف حفتر أنه طلب مقابلة الرئيس التشادي حسين حبري وأعلن معارضته للقذافي، الأمر الذي سمح بإطلاق سراحه مع غالبية السجناء الآخرين. فيما بعد، وبدعم من الولايات المتحدة، تشكلت فرق عسكرية عرفت باسم “قوات حفتر” مقرها تشاد وتضم حوالي 2000 ليبي، عقد حفتر العزم على الإطاحة بالقذافي. لكن انتهاء الحرب الباردة وتغير السلطة في تشاد ورغبة باريس وواشنطن في تطوير العلاقات مع القذافي، أطاحت بأحلام حفتر الذي انتهى به الأمر منفياً في الولايات المتحدة ثم في فيينا حيث كان العسكريون الليبيون المنشقون يتلقون تدريبات عسكرية منتظمة.
تابع حفتر نشاطه لاحقاً في محاولة الانقلاب على نظام القذافي إلا أن موجة اعتقالات واسعة عام 1993 أحبطت آماله للمرة الثانية وتم أسر اثنين من إخوته خلالها. عام 1995 نشر كتاباً بعنوان “التغيير في ليبيا. رؤية سياسية للتغيير بالقوة”.
بعد ثورة 2011
في عام 2011، عاد حفتر إلى ليبيا للانضمام إلى المعارك الجارية ضد نظام القذافي وشارك في معركة خليج سرت ومعركة البريقة الثالثة، قبل أن يحتل لنفسه مكاناً بين القادة العسكريين المشاركين في المجلس الوطني الانتقالي الليبي جنباً إلى جنب مع الجنرال عبد الفتاح يونس (اغتيل عام 2011). بعد سقوط القذافي، تم تعيينه بمرتبة رئيس لأركان الجيش مما أثار بعض التحفظات دفعته إلى التزام منزله في بنغازي لبعض الوقت قبل أن يغادر مجدداً إلى الولايات المتحدة.
شعر حفتر أن الفرصة سانحة مجدداً لكي يلعب دوراً سياسياً وعسكرياً بارزاً خلال عام 2014، وذلك بعد أن أدى انتشار المليشيات والجماعات المسلحة الإسلامية الرافضة للاتحاد إلى انفلات عارم في الوضع الأمني. وبسرعة، تمكن حفتر من كسب بعض التأييد من خلال توحيد جزء من الفصائل المسلحة (كمجلس برقة والقوات الخاصة في المناطق الشرقية وبعض وحدات القوات الجوية) والقبائل ضد تنظيم القاعدة الإسلامي.
في 14 شباط/فبراير من العام نفسه، أعلن حفتر في شريط فيديو نشر على الإنترنت مبادرة تنص على تعليق عمل المؤتمر العام (البرلمان) والحكومة والدستور المؤقت فيما يشبه محاولة الانقلاب. في 18 أيار/مايو، قامت الميليشيا شبه العسكرية التي يقودها بمهاجمة البرلمان وعمد إلى شن هجوم مواز ضد الإسلاميين في بنغازي.
مطلع العام التالي عين قائداً عاماً للجيش الوطني الليبي وانقسمت البلاد إلى قسمين: الغرب في أيدي ائتلاف فجر ليبيا الإسلامي والشرق (بما في ذلك بنغازي) بقيادة حفتر الذي رقي فيما بعد إلى رتبة مشير من قبل البرلمان الليبي (برلمان طبرق).
بدأ حفتر يقدم نفسه باعتباره رجل ليبيا القوي في ظل الفوضى العارمة والانقسام الكبير في البلاد، وجعل ينسج التحالفات ويحاور الأطراف الدولية خاصة روسيا والولايات المتحدة مستفيداً من أجواء عالمية ضاغطة باتجاه محاربة الإرهاب، وكذلك على نحو خاص بعد وصول المشير عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر.
جمعته لقاءات متعددة مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج في أبو ظبي ثم في باريس حيث اختتم اجتماعهما بتوقيع اتفاق التزم من خلاله الطرفان بوقف إطلاق النار في ليبيا. في كانون الأول/ديسمبر 2017، عاد الخلاف مجدداً بين الرجلين حين أعلن حفتر أن ولاية مجلس الرئاسة المعترف به من قبل المجتمع الدولي قد انتهت الأمر الذي قوبل برفض السراج الذي أكد استمرار مرجعية اتفاق الصخيرات الذي وقع في المغرب عام 2015.
منذ بروز نجمه، اعتبر خليفة حفتر الرجل الأقوى في الشرق الليبي .