عندما تنطلق صفقة القرن من البحرين

حاولت الإدارة الأميركية وحكومة البحرين تبرير انعقاد ما تمت تسميته مؤتمر السلام الاقتصادي في المنامة في نهاية شهر يونيو/ حزيران المقبل، بادعاء أنه لا يشكل بديلا للحل السياسي للقضية الوطنية الفلسطينية، ولكن الموقف الفلسطيني الرسمي والفصائلي والشعبي جاء رافضا له، خصوصا أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لم يتلقَّ أي منهما دعوة للمشاركة في المؤتمر الذي يحاول بعضهم التقليل من خطورته، وتسميته بورشة عمل، ولم تتم استشارة القيادة الفلسطينية بشأنه. وهذا ما عبر عنه أكثر من مسؤول فلسطيني، سواء رئيس الحكومة محمد اشتية الذي أكد رفض القيادة الفلسطينية المؤتمر، وعدم مشاركتها فيه، وأنها لن تعترف بمخرجاته، كما أن وزير الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، أحمد المجدلاني، المقرب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اعتبر المشاركين في المؤتمر عملاء لإسرائيل.
خطورة مؤتمر البحرين تكمن في أنه انطلاقة فعلية لتنفيذ خطة الرئيس الأميركي ترامب، المسماة صفقة القرن، والتي تعكس رؤية اليمين الاستيطاني الإسرائيلي بتفكيك القضية الفلسطينية، وتبني الحل الاقتصادي والذي ينسجم مع رؤية ترامب المبنيّة على أن المال قد يؤدي إلى حل عقباتٍ ومشكلاتٍ كثيرة، في ظل تأثير مجموعة من أصحاب المواقف اليمينية المتطرّفة في قرارات البيت الأبيض: نائب الرئيس مايك بينس، ومستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص جيسون غرينبلات، ومستشار الأمن القومي المحافظ، جون بولتون، والسفير في إسرائيل ديفيد فريدمان. تريد إسرائيل شطب قضايا الصراع ومركباته، القدس والدولة الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين والمياه وغيرها، إلى مشاريع اقتصادية إسرائيلية فلسطينية عربية، تساهم في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي، عبر اختراق الدول العربية وغزوها اقتصاديا وثقافيا وأمنيا، وتحاول أن تحسن من الظروف الحياتية والمعيشية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما تحاول تقديم رشاوى لبعض الدول العربية بغرض إقناعها بالمشاركة في الحل الاقتصادي الذي يمثل جوهر صفقة ترامب التي تنوي الإدارة الأميركية الإعلان عنها في الفترة المقبلة.
غضت السلطة الفلسطينية، في السنوات الأخيرة، البصر عن اتصالات ولقاءات بين فلسطينيين

وإسرائيليين، وحتى أميركيين، بحجة أنها لم تشكل خطرا على القيادة الفلسطينية، ما أدى إلى أن تستغلها الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، لتجاوز القيادة نفسها وتوسيع دائرة تلك اللقاءات، وهذا ما حصل في توجيه واشنطن دعوات إلى شخصيات ورجال أعمال فلسطينيين، وتجاهل القيادة الفلسطينية، فيما تسعى “صفقة القرن” إلى تفتيت الشعب الفلسطيني وتحطيمه، وإلغاء ممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير، وتحويله من شعبٍ إلى مجموعات من السكان والتجمعات المتناثرة التي تحتاج لتحسين ظروفهم الحياتية. ولهذا تمت دعوة بعض من هؤلاء السكان لحضور مؤتمر البحرين، من دون دعوة ممثلي الشعب الفلسطيني، كتوجيه دعوات لحضور حفل زفاف، من دون علم العريس أو العروس.
ويتزامن الإعلان عن مؤتمر البحرين مع مساعي دول عربية، وخصوصا السعودية وحلفاءها، إلى إقامة علاقات مباشره مع إسرائيل، بحجة ما يسمّى “الخطر الإيراني”. وقد ذكرت صحيفة غلوبس الإسرائيلية، قبل أيام، عن موافقة مجلس الشورى السعودي على السماح لفلسطينيي العام 1948 (يحملون الجنسية الإسرائيلية) بالعمل والإقامة في المملكة، بتسهيلات كثيرة، منها إمكانية الحصول على مواطنة، وذلك فيما مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، والذين عملوا سنوات طويلة في السعودية، لا يزالون بحاجة لتمديد أذونات العمل والكفيل سنويا في المملكة. كما أن قرار السماح لفلسطينيي الداخل بالعمل والإقامة في السعودية يتناقض مع خطة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التخفيف من العمالة الخارجية، ودمج السعوديين، بمن فيهم النساء، في سوق العمل في المملكة. ومن الممكن فهم القرار السعودي المفاجئ بأنه يندرج في سياق السعي الحثيث لإقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل، إذ لا يمكن تنفيذ المشروع إلا بفتح مكاتب تنسيق بين السعودية وإسرائيل، بحكم أن هؤلاء الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، ويعتبرون مواطنين إسرائيليين. وقد تتطور الأمور لاحقا لتسيير رحلاتٍ جوية مباشره بين السعودية وإسرائيل. أما قضية السماح لهم بالحصول على المواطنة السعودية، فهذه قضية حساسة جدا وقضية وطن وهوية، سيرى فيها كثيرون خطوة كبيرة وخطيرة.
إعلان السعودية والإمارات عن قرارهما المشاركة في المؤتمر يكشف أن اختيار البحرين كان قرارا سعوديا، كما هو أميركي، بسبب عدم قدرة البحرين على رفض ذلك، خصوصا في ظل التحالف البحريني السعودي، فاستضافة البحرين المؤتمر من دون علم ممثلي الشعب الفلسطيني، وموافقتهم ومشاركتهم، تعكس تساوقا بحرينيا مع “صفقة القرن”، إرضاء للأميركي والإسرائيلي من جهة، وعدم إضاعة أية فرصة للقاءات مباشرة مع إسرائيل التي سيمثلها وزير المالية، موشي كحلون، إذ باتت هذه الأنظمة مقتنعة بأن من أهم مقومات بقائها حصولها على الرضا الأميركي والإسرائيلي.
وعن المشاركة الفلسطينية الرسمية، رب ضارة نافعة، إذ إن الإدارة الأميركية أعفت القيادة

الفلسطينية من الحرج والإرباك بعدم توجيه الدعوة لها، وأصبحت القيادة في حل من الموضوع، لأن مشاركتها في مؤتمرٍ كهذا سابقة خطيرة جدا على مختلف المجالات، لأنه سيعطي غطاء فلسطينيا رسميا لدول عربية بالتطبيع مع إسرائيل، وفي العواصم العربية اليوم، وغدا في تل أبيب، ثم إن مشاركة القيادة الفلسطينية تعني تساوقا مع السعودية وإسرائيل وأميركا بالتخلي التام عن المبادرة العربية السعودية أصلا للسلام، والتي، على الرغم من علاتها الكثيرة، شكلت حالة من الإجماع العربي، وقد نصت على الانسحاب الإسرائيلي أولا من كل الأراضي العربية المحتلة، ومن ثم التطبيع العربي مع إسرائيل. كما أن المشاركة الفلسطينية الرسمية تعني الهزيمة والتفريط والتخلي عن الحقوق الوطنية الثابتة، وعن مرجعيات الحل. وقبل الحل الاقتصادي الذي سيؤدي إلى تحسين شروط الاحتلال وظروفه، وجعله ست نجوم بدل خمس نجوم، كما يصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ادعاء النظام في البحرين أن المؤتمر سيساهم في حل الأزمة المالية الفلسطينية لا ينطلي على أحد، بل إنه يأتي في سياق الكذب والخداع، وإن عقد المؤتمر من دون علم أصحاب القضية الشرعيين وموافقتهم يشكل تدخلا بحرينيا عبثيا سافرا، واعتداءً صارخا على الحقوق الفلسطينية. وبالتالي على القيادة الفلسطينية أن تطالب علنا النظام البحريني بالتراجع عن قراره استضافة المؤتمر. ومطلوب أيضا مخاطبة الحكومات العربية بعدم المشاركة نهائيا، ومطالبة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإسلامية، والبرلمانات العربية والإسلامية، بوقف هرولة بعض الأنظمة تجاه التطبيع، وخصوصا السعودية وحلفاءها، مع إسرائيل على حساب قضية فلسطين وشعبها ومقدساتها، واعتبار أن مشاركة أية دولة تعني دعم الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة