حالة إرباك يعيشها الاستثمار في إربد

حرير _ عكس تخبط امتد اكثر من خمس سنوات مارسته بلدية اربد الكبرى في التعامل ضريبيا «رسوم المسقفات» مع اكبر استثمار نوعي في المحافظة وفر نحو 2500 فرصة عمل، نموذجا واقعيا لحالة الارباك التي يعيشها الاستثمار، وادت الى هروب مستثمرين محليين وعرب وأجانب استقطبهم الاستثمار مع بداية انطلاقته كرافد تنموي وسياحي وتجاري وترفيهي في المدينة.

وليس ادل على التخبط الذي لا يخلو من اجتهاد يرقى للمزاجية احيانا لجوء البلدية الى الاستنارة بخبرات امانة عمان في هذا المجال بعد اكثر من خمس سنوات من المد والجزر بين البلدية وادارة الاستثمار بخصوص رسوم المسقفات التي فرضتها البلدية، ما يشير إلى حجم المعاناة والضغوطات والمخاطر الكبيرة التي يمر بها الاستثمار في المحافظة بشكل عام وضمن مناطق امتياز بلدية اربد الكبرى على وجه الخصوص.

لكن اللافت انه وحتى مع الاستئناس برأي خبراء في امانة عمان اقروا بوجود اختلالات جوهرية بقيم التخمين والمبالغة فيها لدرجة انهم بينوا انها تزيد عن نظيرتها في عمان الغربية الا ان البلدية لجأت الى الممانعة في الاخذ بآراء الخبراء مطبقة مقولة «شاوروهم وخالفوهم».

وحتى لا يقع البعض في باب الظن اننا نحابي طرفا على حساب اخر وندعو الى تجاوز القوانين والانظمة والتعليمات المرتبطة بها فإننا نسوق واقعا عايشناه لاكثر من خمس سنوات مضت على انشاء هذا الاستثمار والذي جاء اتساقا مع ضرورة التوجه للاستثمار في المحافظات وتوطينه فيها وتذليل العقبات امامه وتوفير البيئة الاستثمارية المحفزة وتشجيعه تشريعيا واجرائيا ومده بأسباب الاستقرار والنمو لاحداث التنمية في المحافظات وتوليد فرص العمل.

ويمثل المخاض العسير الذي مر به الاستثمار وغيره من الاستثمارات في المحافظة مفارقة كبيرة بين الجهود الحكومية المتواصلة في توفير 60 الف فرصة عمل في القطاع الخاص ضمن الاطار الوطني للتشغيل 2019-2020 وبين الواقع الذي يشير الى احتمالية سقوط الرهان الحكومي على ذلك امام التحديات الكبيرة التي يواجهها وفي مقدمتها البيروقراطية والتخبط ما يشي ان اربد كنموذج للمحافظات ما زالت غير مهيأة لتوطين الاستثمار والتعاطي مع الاستثمارات النوعية اجرائيا وفنيا وبشريا رغم ما تعج به بلدية اربد على سبيل المثال من موظفين وفنيين وعاملين يزيدون عن 3500 موظف.

المسلسل الماراثوني الذي بدأ منذ بداية 2013 في التعامل مع الاستحقاق الضريبي على المنشأة «ضريبة المسقفات والابنية» وما تخلله من تجاذبات اصبحت حديث الشارع الاربدي ازاء اعتراض الشركة المالكة للاستثمار على قيمة التخمين التي اعتبرتها مبالغا فيها ولا تتسق مع القيم الحقيقية للعقود واصرار البلدية على واقعية التخمين والتقدير بفرض مبالغ زادت عن ربع مليون دينار في السنة الاولى من تشغيل الاستثمار ودخول الطرفين في سجال لاثبات كل منهما صحة مطالبه.

وان كنا لا نملك الا ان نقر بهذه الاحقية للطرفين فالاستثمار يريد ان يدافع عن نفسه امام ما اعتبره اجحافا وظلما بتقدير قيمة الضريبة من شأنه تعريضه لمخاطر كبيرة لاسيما ونحن نتحدث عن استثمار في المحافظات لا تستقيم مقارنته بالقوة الشرائية في العاصمة عمان حتى ان العديد من الخبراء الاقتصاديين اكدوا ان القيم الضريبية المفروضة على هذا الاستثمار في اربد اكثر بكثير من نظيره في عمان الغربية والبلدية متمسكة ومصرة على موقفها المتسق مع القوانين والانظمة المعمول فيها بناء على عقود الايجار او التقدير بينما الاستثمار عانى خلال هذه السنوات تحديات كبيرة جعلت العديد من الشركات والماركات التجارية المحلية والعالمية تخرج منه في ظل هذا الواقع والتحديات الضريبية المرهقة.

وامام هذه الاشكالية التي احدثت جدلا واسعا وتدخلت فيها جهات عدة بهدف الوصول الى معادلة عادلة في تقدير القيم الضريبية المستحقة على الاستثمار طلب رئيس البلدية المهندس حسين بني هاني من خلال وزير البلديات الاستعانة بخبرات امانة عمان في هذا المجال بعد ست سنوات من الجدل واكد تقرير لجنة الخبراء التي شكلها امين عمان لدراسة العقود وقيم التخمين لهذا الاستثمار ومقارنته بما هو موجود في مختلف مناطق العاصمة انها مبالغ فيها الى حد كبير وهي اعلى من نظيرتها في عمان لكن هذا الاستئناس برأي الامانة وخبرتها لم يحرز تقدما في هذا الملف العالق رغم قيام الشركة المالكة للاستثمار بدفع مبلغ 800 الف دينار لصندوق البلدية بموجب شيكات ومبلغ مماثل لدى المحكمة لحين الفصل بالنزاع قضائيا.

لكن هذه الخطوة من جانب مالكي الاستثمار لم تقابل بخطوة مماثلة في ظل ممانعة بعض موظفي البلدية مما دفع رئيسها الى تشكيل لجنة للنظر في اعتراض الشركة على قائمة التخمين وعند سؤاله مباشرة عن طبيعة عمل اللجنة واختصاصات اعضائها وخبراتهم في هذا المجال علق ان هذا المتوفر رغم اقراره بضرورة ان تقدم البلدية خطوة ايجابية باتجاه الوصول الى حلول توافقية منصفة وعادلة الا انه المح صراحة الى عدم امكانية التدخل في عمل اللجنة خشية اتهامه بالمحاباة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لهذه الغاية من قبل البعض بما فيهم موظفون في البلدية غير ابهين بمصير الاستثمار.

وعلى غير المتوقع فان دائرة المسقفات في البلدية فرضت زيادة في قائمة رسوم المسقفات تخمينا اعلى بكثير من حجم العقود المبرمة لعام 2019 رغم استصدار قرار قضائي بعدم المطالبة برسوم المسقفات لحين فصل القضية لدى المحكمة المختصة بحسب المدير التنفيذي لاربد سيتي سنتر جلال ابو حسان الذي اكد ان قضية الاستثمار مع البلدية لا تدخل سوى في باب احقاق الحق والمطالبة بالانصاف والعدالة امام ما وصفه بالتجني والظلم والاجحاف الذي مورس بحقه من قبل دائرة المسقفات في البلدية متسائلا لماذا لايوجد اي اشكالية مع اي جهة او قطاع ضريبي اخر يتم التعامل معه؟

والاغرب من ذلك كله انه عند اعتراض ادارة المنشأة على قيم التقدير الضريبية على المسقفات للجنة الاستئناف التي شكلها رئيس البلدية طلبت اللجنة احضار جميع الملفات والبيانات المتعلقة بالمحال المشغولة في المنشأة والاجهزة الحاسوبية وكل ما يتعلق فيها الى البلدية في مشهد اعادنا عشرات السنين الى الوراء بدل ان تقوم اللجنة بمراجعة ذلك داخل المنشأة وهو الاجراء السائد في مثل هذه الحالات.

ومن باب الانصاف فان رئيس البلدية اعاد تشكيل لجنة الاستئناف للمرة الثانية والتي اقرت بدورها بوجود زيادات على قائمة التخمين واوصت بتحفيضها اتساقا مع الحقائق والوقائع التي توصلت اليها وهو ما شكل ارضية قانونية افضت الى انصاف المنشأة في قيم التقدير الضريبي عن عامي 2018 و2019 والتي اعتبرها رئيس البلدية خطوة في الاتجاه الصحيح، مؤكدا ان البلدية تعمل كل ما باستطاعتها لدعم البيئة الاستثمارية في اربد وهي منفتحة على الجميع في هذا المجال، وما زالت اعتراضات المنشأة على ضريبة المسقفات المفروضة عن الاعوام من 2103 الى 2017 منظورة امام المحكمة المختصة. وتركت هذه الخلافية التي ما زالت قائمة في بعض جوانبها سؤالا عريضا لدى الاربديين فحواه هل اربد مهيأة لتوطين الاستثمار ؟

مقالات ذات صلة