كيف يفكر الأردنيون..؟

حسين الرواشدة

لكي نفهم كيف يفكر الاردنيون لابد ان ندقق في ثلاث حالات : حالة المجتمع، وحالة الدولة، وحالة العلاقة بين المجتمع والدولة، اذ انه بمقدار ما تتمتع به هذه» الثلاثية « من عافية وسلامة بمقدار ما يستقيم منطق التفكير لدى الناس.

ذكرت في مقال سابق ان حالة مجتمعنا تبدو « صعبة « سواء على صعيد الصحة البدنية او النفسية او الذهنية، واستعرضت ارقاما واحصائيات تؤكد ذلك، كما ذكرت ان حالة الدولة في المجالات الاقتصادية والسياسية اصعب مما نتصور، اما العلاقة بين المجتمع والدولة فهي باعتراف الجميع منزوعة الثقة، وبالتالي فان ما يفكر به الاردنيون هو نسخة مطابقة للحالة الصعبة التي ذكرتها مسبقا.
انماط تفكير الاردنيون يغلب عليها الطابع «السلبي « وتميل الى التشاؤم والشك، وتخضع الى المزاج وردود الافعال، وهي رجراجة ومتعرجة وغير متجانسة، يصعب القياس او الحكم عليها، كما انها عاطفية : « باردة « احيانا «وساخنة» احيانا اخرى.
يفكر الاردنيون غالبا بالماضي والحاضر اكثر مما يفكرون بالمستقبل، انهم يخشون من المستقبل دائما ولا يوجد لديهم يقين اذا كان لديهم مستقبل ام لا، ويفكر الاردنيون بالذات اكثر من الموضوع، وب» الانا» اكثر من المجموع، وبالاشخاص اكثر من الافكار، ويشكل «الخلاص « الفردي، بالمعنى السياسي والديني، نقطة مركزية لفهم اتجاهاتهم، ومعرفة اهدافهم التي تغذيها مقولات يزدحم بها التراث الشعبي، تدعوهم الى الحذر» بمشي الحيط الحيط» وعدم الاكتراث» وانا مالي..؟» والرضى والقناعة « زوج امي عمي « وهكذا.
تفكير الاردنيين نتاج طبيعي لحركة الخطاب الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، فهم يفكرون سياسيا « بالقطعة «، وباقل ما يمكن من الخسائر، ودينيا بـ» الانفصام « بين ما يقولونه وما يترجمه سلوكهم العام، واجتماعيا بـ»الفزعة « التي تصب بالخير احيانا وبالكراهية احيانا اخرى، واقتصاديا بالاحساس الدائم بالفقر حتى لو تيسرت الاحوال .
يعتز الاردنيون بالموت اكثر مما يعتزون بالحياة، فهم يحتفلون برموزهم حين يرحلون، ولديهم الرغبة في هدم ما يختلفون حوله حتى لو كانت اعادة بنائه اصعب من امكانياتهم وقدراتهم، كما ان لديهم القدرة على تصنيف الاخرين والحكم عليهم بمجرد الانبطاعات، وهذه « الحدية « تحرمهم في الغالب من التحلي بثقافة الاجتماع والمؤانسة وتحوّل اختلافاتهم الى نزاعات وثارات.
باختصار، مجرد المقارنة بين ما كان يفكر به الاردنيون قبل اربعة عقود مثلا، وما يفكرون به اليوم، يضعنا وجها لوجه امام التحولات التي طرأت على تفكير الاردنيين، وهذه تحتاج الى فهم اعمق لطبيعة الشخصية الاردنية وما لحق بها من اصابات نتيجة التغيرات السياسية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بجدل الهوية والمواطنة، وازمة الاقتصاد وانسدادات السياسة، وما حدث ايضا من تراجعات في مجال الفنون ووظيفة الاعلام والثقافة، ثم ما افرزته هذه المناخات من « الغام « تفجرت على هيئة انماط تفكير جديدة نكاد احيانا لا نصدق انها تحمل « دمغتنا « الاردنية.

مقالات ذات صلة