لماذا لا نعيد الآف الأطفال العاملين لمقاعد الدراسة

 

بقلم أحمد جميل شاكر

تفيد التقارير الرسمية بوجود أكثر من 30 ألف طفل عامل معظمهم ليسوا على مقاعد الدراسة، تعدّ في غاية الخطورة، وتتطلب من المجتمع كله التوقف عندها. قد يكون العامل الاقتصادي هو السبب الرئيس وراء عمالة الأطفال، لكن الأضرار التي تنجم عن ذلك تفوق كل المبالغ التي يمكن للاطفال توفيرها لعائلاتهم، وأن نسبة من هؤلاء الأطفال يتوجهون إلى العمل الميداني؛ لأن معدلاتهم في المدرسة متدنية، وليست لديهم الرغبة في إتمام الدراسة وعندها لا بد من إرسالهم إلى مؤسسة التدريب المهني لإتقان مهنة أوعمل يدوي.
عمالة الأطفال لها انعكاسات سلبية خطيرة على مستقبل هؤلاء، إذ إن عدم وجودهم على مقاعد الدراسة يعني تعرض معظمهم لمشاكل كثيرة، في مقدمتها الاعتداءات الجنسية، أو الترويج للمخدرات، أو حتى التدخين في سن مبكرة، حتى أن بعض الدراسات حول انحراف الأحداث او حتى من الذين احترفوا السرقات والجرائم الأخرى ووصلوا إلى سن متقدمة، تؤكد أن بداية الانحراف كانت نتيجة ابتعادهم عن مقاعد الدراسة وانخراطهم بسوق العمل وهم في سن الطفولة.
أعرف عائلات فقدت معيلها، لكن الأم الفاضلة لم تسمح بأن يترك أطفالها مقاعد الدراسة والتوجه لتوفير الدخل المناسب، لكنها آثرت أن تعمل آذنة في مدرسة، أو دائرة حكومية، أو أن تقوم بقطف الملوخية، أو زراعة مئات الأمتار المربعة من الأرض بالبقدونس والكزبرة والبصل الأخضر والفجل، وبيعه، حتى أن هناك من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات من يروي قصصاً مشابهة، وكيف أن أمهاتهم عملن ليل نهار لتوفير لقمة العيش الكريم للأبناء وأصررن على عدم ترك أولادهن مقاعد الدراسة، وأنهم قد وفروا بعد تخرجهم سبل الحياة الكريمة والمريحة لوالداتهم، وأنهم يعتزون بذلك اعتزازاً كبيراً.
القوانين كلها تمنع عمالة الأطفال، حتى أن قانون التربية والتعليم مدد المرحلة الإلزامية لتصبح عشر سنوات بدلاً من تسع، وأن المتقدمين بالسن يذكرون كيف كان رجال الشرطة يحضرون الأطفال والأبناء إلى المدارس بقوة القانون، لأن الآباء كانوا يرغبون بأن يعمل أطفالهم في الزراعة او الحقل أو حتى رعاية المواشي، وأن الأب الذي كان يصر على عدم إرسال أبنائه إلى المدرسة كان يتعرض إلى السجن.
قوانين العمل تمنع -أيضاً- عمالة الأطفال وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره وبأي صورة من الصور.
إن جولة واسعة على المنطقة الصناعية في بيادر وادي السير، أو الوحدات، حيث المئات من كراجات تصليح السيارات، ومحلات الحدادة والنجارة والخراطة تكشف وجود العشرات من الأطفال الذين قتلت فيهم روح الطفولة، وأنهم يتعرضون لمخاطر عديدة.
إننا نأمل أن يحتل هذا الموضوع الأولوية القصوى لدى المسؤولين وأن تكون هناك برامج لتوعية وحماية الأطفال ممن هم عرضة للانخراط في سوق العمل، وبرامج لرفع مستوى وعي الأسر حول الأضرار المترتبة على عمل الأطفال، وإيجاد بدائل مادية لأسر الأطفال من خلال ربطهم بصندوق المعونة الوطنية، أو بمشاريع صغيرة مدرة للدخل، وهذا ما نأمله من المركز الذي تم استحداثه مؤخراً بالتعاون بين وزارة العمل والصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية.

مقالات ذات صلة