بدون خلو

أحمد حسن الزعبي

كان كل ما يسمح له فقط هو تنظيف القطع المفكوكة من الزيت والشحمة وفي أحسن الأحول تركيب بعض البراغي بعد انتهاء معلّمه من صيانة الغسالة، أما مهمّته الأولى فهي شراء دخان لصاحب المحل..في غضون شهور قليلة اعتقد “عمّوره الرخو” أنه “صنايعي” محترف ، فقام بفتح محلّ جديد بحي شعبي مكتظ ووضع هياكل ثلاجات وغسالات وبعض المكانس الكهربائية المعطوبة..

عندما تأتيه ثلاجة للتصليح بحاجة إلى غاز أو “الفريزر بربي ثلج” كان “عموره الرخو” يطوبز خلف الثلاجة ويبدأ بفك الهيكل المعدني وعندما يصل الى طريق مسدود معها ، يتركها ويشرع بفك براغي “غسّالة حوضين” ،ولأنه عمّوره الرخو لا يتقن أي عمل سوى مسح القطع المفكوكة، كان يمسح بــ” الشرايط” الماتور ،و”البوكس” والنشافة ، ويرش عليه منظف الصدأ وينتظر حتى تنشف وحدها في الشمس خارج المحل..يعاود ثانية تركيب القطع وعندما يفشل في إعادتها الى مكانها..يترك الغسالة ، ويقوم بتفكيك “ميكرويف” معدني الهيكل غالي الثمن، يخرج الرف الأوسط، يكشف عن علبة المفاتيح ينفخ فيها..ثم يقلّبها بين أصابعه وعندما لا يعرف كيف يتعامل معها..يتركها ويهرب إلى جهاز كهربائي آخر…
جاء صاحب الثلاجة وسأله عن مصير ثلاجته “فكان الجواب :”بعدها والله يا عمي..غيب لك يومين وارجع”…صاحب الغسالة رأى غسّالته في أسوأ منقلب لها سأله عنها فردّ عمّوره الرخو بكل ثقة بالنفس..”الشغل فوق راسي ما انت شايف المحل..هاليومين برنلك”..في الواقع عمّورة الرخو كان يهرب من المواجهة ويتحجج بحجم الشغل الهائل لكنه غير قادر على مصارحة الزبائن بمصير أجهزتهم…
تراكم عليه إيجار المحل ، وفواتير المياه والكهرباء ،وقطع الغيار ..وبدأ الزبائن يرفعون أصواتهم في وجهه بضرورة انجاز ما وعدهم به،أو إعادة الأمر الى ما كان عليه ، وكان يحاول التملّص مرحلياً ، علّ قوّة خارقة تنقذه من ورطته أو توافقه الصدف وينجح في إصلاح جهاز واحد..ولأنه لم يكن صاحب مهنة وغير قادر على المواجهة، فهو مجرّد هاوٍ لا أكثر ،لم يحصل ما كان يتخيّله، فترك القطع المفكوكة في مكانها..ثم كتب بدهان “رش” على واجهة المحل…المحل للبيع وبدون خلو…ثم كتب رقم هاتفه المغلق دائماً وغادر.

غطيني يا كرمة العلي..

مقالات ذات صلة