هل ستثور الشعوب العربية ضد أنظمتها؟.

كتب إبراهيم القيسي

السؤال في العنوان؛ هو الإحتمال الذي يتوارد في أذهان كثيرين حول العالم، ويحتل في مثل هذه الظروف أولوية عند كل الحكومات العربية، ويشغل بال كل المعارضات السياسية العربية والعقول الأمنية في الوطن العربي، حتى في أمريكا نفسها، التي ترعى العصابة الصهيونية في فلسطين والعالم، أصبح السؤال يرد في أذهان مواطنيها، كتطور منطقي أثناء التفكير بالوحشية والظلم الكبير الذي يحدث في الكوكب، والمواطن الأوروبي العادي، وحتى الطفل هناك بات يتساءل: لماذا العرب جبناء ولا يمكنهم انقاذ اطفال غزة؟.

أحدى أهم النتائج التي جاءت لصالح العالم كله، وللبشر والإنسانية والديمقراطيات على وجه التحديد، هي انكشاف حجم الكذب والتضليل والتحايل، والوحشية والجريمة التي ترعاها دول كبيرة، والتي تتمثل ببناء كيان لقيط، مجرم متوحش، كل أفراده “مجرد مرتزقة”، ينفذون جرائم لا يمكن تنفيذها من قبل الجيوش النظامية حتى المتطرفة منها، ولا حتى العصابات التابعة لدول معترف بها عالميا، وإن ارتكبت بعضا منها، فإنما ترتكبها في حروب محددة بالزمان والمكان، وتعتمد على ظروف ويتم إعتراف هذه الدول بها فيما بعد، بأنها أخطأت في تلك الحروب واقترفت جرائم ما، كما حدث في العراق وسوريا، وقبلها في هيروشيما وناجازاكي.. فلا مجال اليوم بالنسبة لأي مواطن حول العالم أن ينكر معرفته بالقضية الفلسطينية، وبسرقة حق الفلسطينيين بحياة طبيعية في وطنهم ودولتهم المستقلة.. هذه واحدة من أهم النتائج لحرب الإبادة التي تشنها أمريكا ضد الفلسطينيين.
https://www.addustour.com/articles/1378396
على الرغم من معرفتنا المسبقة لحدود المناورة السياسية الممكنة، التي يستطيع نظامنا العربي وحكوماته القيام بها، إلا أنها اليوم، اتسعت، وأصبحت تملك فرصة جديدة لتصويب مواقفها، والتحرر من القبضة الأمريكية الظالمة، دون أن تخسر تحالفاتها “الاستراتيجية” مع هذه الدولة المسيطرة، حيث لديها شعوب “حيّة..تتألم، وتفهم”، وتشبه الشعب الفلسطيني في كل شيء، وتتضامن معه قلبا وقالبا، وخلال هذا الشهر الدموي، تصاعد الغضب الى حدود لا يمكن قياسها بأدوات المتابعات الأمنية العربية المعروفة، فكل التقارير والتوقعات الأمنية التي تتنكر لهذه الحقيقة لا تخدم الأنظمة العربية، ولا حكوماتها، وهي تضليل ستكون له كلفته على الدول التي تتجاهله، وأهم ما تتضمنه قناعات الشعوب العربية اليوم، هو “تشابههم” مع الفلسطينيين، فهم في الحقيقة لا وزن لهم مطلقا على موازين ومقاييس أمريكا وأوروبا، ولا شيء يمنع عنهم أو يحميهم من أن يكونوا ضحايا افتراضية مستقبلا، سوى “بعض” الأنظمة العربية، ومناوراتها السياسية واتفاقياتها وتحالفاتها مع أمريكا وغيرها، ففي الوقت الذي لا يمكن إنكار دور الحكام العرب “بعضهم” في حماية شعوبهم وإبعادهم عن الكوارث، والبحث المضني عن حلول لأزماتهم، بتعاون وعلاقات حكامهم وحكوماتهم مع أمريكا والغرب، فأيضا لا يمكن إنكار أن هذا التعاون بات قيدا، يكبّل الدول والحكومات والشعوب، عن فعل شيء لإنقاذ أحد الشعوب العربية من الإبادة.. وهذه مفارقة كبيرة يعيشها اليوم ويحتار بأمرها كل مواطن عربي، سواءا أكان حاكما أم محكوما أو حتى عميلا وخادما أمينا للغرب ومصالحه ومصالحهم.

سيوقف الإبادة، ولن يغير الكثير في العلاقات والموازين والمكتسبات، لو قامت بعض الحكومات العربية باتخاذ إجراءات غير مسبوقة ضد الكيان الصهيوني المجرم، ولدينا “مروحة” كبيرة من الخيارات السياسية والأمنية والإقتصادية، التي يمكن لحكام العرب ودولهم وشعوبهم اللجوء إلى بعضها أو إليها كلها، للضغط على امريكا وأوروبا، لوقف عملية الإبادة والجريمة البشعة التي تحدث بحق البشر جميعا..

السؤال العنوان لم يعد سؤالا “محرما” ولا مجال أمامنا إلا أن نتحدث به، نطرحه ونبحث في إجاباته، “فالطوفان” كبير وسيغرق الجميع ولو بعد حين، ولا عاصم منه بعد الله، سوى الشعوب نفسها، لأنها هي الضحايا الفعلية، وهذا النموذج الفلسطيني “الطازج” لا يمكن تجاهله، ولو تم تجاهله من قبل “الأمة العربية المنكوبة والمغلوبة”، فلا يمكن ذلك من قبل شعوب العالم، التي باتت تعرف وتعيش وتتألم من الحقيقة الصادمة، وهي حرص العالم الغربي على إنشاء كيان مجرم، خارج عن القانون والأخلاق والأعراف والشرائع، وهو ليس بدولة ولا يمكن أن يكون كذلك، لأنه محض كيان وظيفي متخصص بالجريمة وتجاوز القانون، تدعمه وترعاه دول، لتأمين مصالحها بكل السبل، ولا يمكنها تدشينه داخل حدودها وتحت سمع وبصر شعوبها..

مأساة فلسطين، ونضالات شعبها، هي ملحمة الكوكب التي لم تتوقف منذ 100 عام، ومنها يتلقى العالم دروسا كبيرة، ويجب على العرب وحكوماتهم، أن يقدموا شيئا “جديدا بالكامل”، لوقف عملية إبادة الشعب الفلسطيني التي تقوم بها أمريكا ولا أحد غيرها.. فلن تستقر الدول العربية بعد هذا الحدث، إلا أن تتوحد الشعوب مع قياداتها لوقف الجريمة.
—————
*هل ستثور الشعوب العربية ضد أنظمتها؟!.
مقالة رقم 2635.
https://www.addustour.com/articles/1378396

مقالات ذات صلة