إلى عمو آية الرزاز

إلى عمو آية …

كتب : محمد عبدالكريم الزيود
تقول الإبنة الصغيرة التي تقيم في أمريكا :” أبي سوري فلسطيني ، لكن الآن نحن في الأردن مؤقتا ” ، لم تشكر المملكة ، ولم تقدّر منحها الجنسية لجدها “المفكر “عندما تم مطاردته عبر الحدود ، وإستقبلته بيوت الأردنيين وحرسوه العسكر في عمان لأنه حلّ ضيفا و”دخيلا” على الملك الحسين .
مرة أخرى النخب وأبناؤهم يستكثرون علينا هذا البلد ، ويتمنّنون عليه ، ويعلموننا درسا في قلّة الوفاء وردّ الجميل ، نحن نرى بلادنا رغم صغرها وطنا كبيرا ووعرا وشوكة في حلوق المارقين ، وهم يرونه ممرّا وفندقا وجواز سفر ومطارا وإستثمارا .
فعلى هونك يا صغيرتي ، ومسرور أنك نطقتِ بالإنجليزية ، ومسرور أنك تدافعين عن ملك أبيك وكرسيه ، وأن البلد بالنسبة لكِ مزرعة للوالد ، فنحن بنظرك ونظر أبيك وجدك متطفلون على رزقة ” الوالد” أيضا .
تتحدثين عن الثقافة الأمريكية وهذا حقك ، وأبيك يقرأ علينا رسائل منيف ومقدمة ابن خلدون ومشروع النهضة ودولة الإنتاج وبرنامج خدمة الوطن ، هل يا ترى أنت ِتعلمتِ شيئا منها .
هل درستِ في مدارس بلادنا الباردة صفوفها .. هل أكلتِ من عدسها وفقرها وقهرها .. هل أصطففت يوما على باب مخبز أو صيدلية .. أو على شباك صرّاف آلي آخر الشهر وقد تمزقت جيوبك وإنكسرت عيونك أمام حاجات أطفالك .. هل عرفت معنى الظلم وأنت تصطفين على دور الخدمة المدنية وترجعين للوراء وليس للأمام وهم يسرقون وظائفنا ومستقبلنا .. هل إصطففت لتدفعين مخالفة لسيارتك ونحن الذين لم نصطف يوما مزدوجا حتى في مواقفنا الوطنية أو نزدوج بالجنسية… بالمناسبة : هل تعرفين “خو” ؟!
يا معالي الصغيرة ” الوزيرة ” القادمة أو ربما ” السفيرة ” .. لا يهم ذلك ما دامت النمرة حمراء مدموغة على سيارتك .. ومدموغة على جباهنا أن نطيع ونحب الوطن لتعيش أنت برخاء ورفعة .. نعم نحن من نعرف البلد ، نعرفها شارعاً شارعا .. مارساً مارسا .. تلماً تلما .. نعرف تعب آبائنا وصبرهم .. ونعرفها عندما سكبوا عرقهم ودمهم ليحموها ويبرّدوا شوارعها .. نعرف شيحها وزعترها ودحنونها وخبيزتها وكعّوبها .. نعرف الفروسية والمروءة التي لا يعرفها أمثالك .. ونعرف مجالس الرجال التي لا يجلس بها مثلك ويختبؤون من صوت مهباشها ورجالها ، وصهيل خيلها … ونعرف معاذ وراشد وسائد الذين أحبوا البلد ودافعوا عنك وعنا بدمهم ، ونعرف من ظلمنا ونعرف من أفقرنا ونعرف أين ثأرنا .
لا عليك يا صغيرتي .. أعرف أني تكلمت بلغة لا تفهميها ، لكن لم تكن مشكلتنا الأصول يوما ، ففي بلادنا يعيش ثلاثة ملايين مهاجر ولاجئ ووافد ، لكن مشكلتنا ممن يتنكرون للبلد ويبخسونها ولا يقدرون ما قد قدمت لهم ، يشاركوننا في خبزنا ومائنا ومدارسنا .. بل ندفع نحن من فتحنا بيوتنا لهم كل ضرائب الدنيا وهم يتنعمون بالمساعدات وبكاء منظمات الان جي أوز .. وتحاولون معهم سرقة ما تبقى من خبزنا ، ومكارم تعليم أبنائنا .. وتشجيعهم للإلتحاق بالتعليم المهني فنحن لنا الطوبار والسباكة ولأبنائكم جامعات أوروبا والمناصب التي تنتظرهم والتي خلقت لهم ، ولنا مهن الحراسة والخدم والعبيد .
الكلام يطول .. والوجع يكبر ، نسكت اليوم لأننا نحب بلادنا ، ونعرف أن الدنيا تتحالف ضدنا، فإسكتي يا صغيرتي ، ونقطينا بقّلة كلامك المستفز ، وإرحمي أنتِ وأبيك ِ ضعفنا وجوعنا وربما بصوتنا أزعجنا سائقك وخادمتك … لكن تعلمين وأعلم أنك عند أول منعطف خطر ستتركون الحافلة ، وستركبون أول طائرة بتذكرة بلا عودة ..ونبقى نحن تحت رحمة ربنا .. ولكن تذكروا أن للبيت رب يحميه .. وإقرأوا التاريخ جيدا وأعرف أنك تدرسين الموسيقى بديلا عنه .. إقرأي يا صغيرتي أن الشعوب لا تقهر ولا تنهزم .. وأنها شلعت الظالمين من إستوطوا حيطها وركبوها ملط حتى وإن طال الطريق .
حمى الله بلادنا

مقالات ذات صلة