فشل مركّب لإسرائيل

فارس الخطاب

حرير- بدل أن تخفّف إسرائيل من عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي على قطاع غزّة بعد أن سوّت مبانيها ومدارسها بالأرض، وأوقفت عمل مستشفياتها، وبعد أن قتلت أكثر من 17 ألف مدني فلسطيني 70% منهم من الأطفال والنساء، بدل أن تخفّف ذلك لتقليل حجم القتلى بين صفوف المدنيين، لتقلل من حجم الاستنكار العالمي لبربريّتها، وبالتالي، عزل مقاتلي حركة حماس، راحت قيادات هذا الكيان تزيد من جرعات القصف الممنهج وغير الممنهج، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، كقنابل الفسفور الأبيض والدخان الكيماوي الخانق، لتكرّس بذلك صورتها النازية الجديدة أمام العالم بأسره.

لقد خسرت إسرائيل حتى اللحظة الحرب على “حماس”، ففي حين لم يشاهد العالم أي قتلى أو أسرى من كتائب الحركة أو سواها، شاهدت شعوب الأرض قاطبةً صور المعاناة الفلسطينية الرهيبة، وصمود أهل غزّة الأسطوري لعمليات القتل والترويع والتجويع، وثباتهم في موضوع دعمهم قضية تحرير بلادهم وبوتيرة متصاعدة كلما تصاعد ما يفقدونه من أبنائهم وممتلكاتهم وكل ما يمتّ لحياتهم الإنسانية بصلة. نعم، خسرت إسرائيل الصورة التي كرّستها لدى صانع القرار الغربي وشعوب كثيرة؛ من أنها مهدّدة من جيرانها العرب، أنهم يريدون إزالتها من على الخريطة، لتحلّ محلها صورة إسرائيل المارقة القاتلة للأطفال والنساء، يقابلها سكّان غزّة العُزّل، المكلومون، المحرومون والصابرون، الذين يقضون بهدم مساكنهم فوق رؤوسهم أو بعد تحرّكهم صوب جنوب القطاع وسط غارات صهيونية وحشية ومشاهد سوف لن تُمحى من الذاكرة والتوثيق التاريخي العالمي.

تؤكّد معلومات أنهم في الكابينة الحكومية الإسرائيلية لا يملكون تصوّراً دقيقاً عن نهايات حربهم على غزّة. كل ما يعرفونه أنهم يريدون “إبادة حماس” حتى لو قتلوا كل سكّان القطاع. تؤكد ذلك مجريات الحرب هناك، فإسرائيل تحارب بسياسة “اليوم الواحد”، ولا تستعجل الوصول إلى أهدافها أو حتى تأمين القضايا الإنسانية للمدنيين، وكلهم مدنيون. ويتزايد الضرر بعلاقات إسرائيل مع حلفائها من المنظومة الغربية والعربية. لقد أحرجت تل أبيب كل من وقفوا معها في الحرب لأنها تخوض حرب إبادة ضد المدنيين من دون أجندة واضحة ترسم نهايات منطقية وواقعية لها، وهو أمر وصفه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، “إسرائيل ستتعرّض لهزيمةٍ استراتيجيةٍ في الحرب التي تشنّها على قطاع غزّة حال فشلها في الإنتباه للتحذيرات بشأن ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين”.

كتب ديفيد أغناطيوس، في صحيفة واشنطن بوست، في 18 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، “كان التحدّي المؤلم الذي يواجهه جيش الدفاع الإسرائيلي هو سحق حماس من دون قتل ما يقرب من 240 رهينة إسرائيلية وأجنبية محتجزين تحت الأرض. لكن، يبدو أن رهائن عديدين ماتوا مع تقدّم الحملة، على الرغم من أننا لا نعرف أي تفاصيل”. لقد أقنعت حرب غزّة أغناطيوس “أكثر من أي وقت مضى بأن الفلسطينيين بحاجة إلى دولة خاصة بهم تدار جيدا، بدون “حماس”، حيث يمكنهم العيش بكرامة وسلام مع إسرائيل، كما يفعل معظم جيرانهم العرب. الآن. وإذا تمكّنت الولايات المتحدة من مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق هذه النتيجة، فإن هذه الحرب، بكل أهوالها، قد تنتج بعض الخير”. ويبدو هذا الرأي خاليا من أي جديد، بل هو رأي لا يمكن أن يتحقّق مطلقاً فـ “دولة فلسطينية بدون حماس” أمر غير منطقي، لأن “حماس” ليست من خارج التركيبة السكانية والسياسية الفلسطينية التي تريد إسرائيل أن تتحكّم بها، أو أنها كانت تقاتل لمجرّد ترهيب الكيان الصهيوني، وهو أمر لم تفعله “حماس” منذ تأسيسها عام 1987، حيث عملت كحركة تحرّرية فلسطينية تنشد تحرير وطنها من الاحتلال الإسرائيلي.

تتّجه الأنظار والجهود حاليا على جنوب غزّة، حيث فيه الآن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني مدني، بعد أن نزح إليه كثيرون من أبناء شمال القطاع. تقول إسرائيل إنها ستركّز على منطقة خانيونس، ما يعني الآف الضحايا المدنيين ومزيدا من الصور البشعة التي تُزيد من بشاعة هذا الكيان عالمياً، وإن تذكُر معلومات من إسرائيل أنها تخطّط لإنشاء مدينة خيام واسعة للاجئين الفلسطينيين على ساحل البحر الأبيض المتوسط المحاذي إلى مصر تساهم في إنشائها دول عربية صديقة لإسرائيل”.

يواجه العالم إسرائيل جماهيرياً، والحكومات العربية والغربية في مأزق الموقف، حيث لم تجد أي مخارج لإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزّة، حتى على مستوى المنظمة الأممية ومجلس الأمن، وسط ضغوط إعلامية وجماهيرية مباشرة ومخاطر عسكرية توحي بتوسّع دائرة الحرب إقليمياً، ومع مشاهدة العالم بقايا قطاع غزّة بكامل مؤسّساته وبناياته ومنازله ومستشفياته ومدارسه ومراكز الإيواء الأممية فيه وقد تحوّلت إلى أكوام من الحجارة وحُفر عملاقة، وثمّة آلاف الجثث، فإن نتائج هذه الحرب قد تكون مفاجئة للجميع، ليس في حدود قطاع غزّة فقط، بل في عموم الإقليم، وربما في مناطق عديدة.

مقالات ذات صلة