هلع وقلق وحس من الفكاهة بعد إعلان اول حالة مرض بفيروس كورونا في الاردن

ساعات من الرعب والخوف والهلع، أصابت الأردنيين أول من أمس مع إعلان ظهور أول حالة لمريض بفيروس “كورونا” في الأردن، كان قادما من إيطاليا، صاحبها الكثير من التدافع للصيدليات للحصول على “معقمات وكمامات”، وتبادل رسائل التحذير التي شابها الكثير من “الإشاعات” كان لها وقع كبير وظاهر عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
ولكن، مع مرور تلك الساعات القليلة، تحول هذا الهلع والترقب تحسبا لظهور حالات جديدة، إلى حالة من الفكاهة والمزج ما بين التحذير وإطلاق “النكت” التي تدور في فلك الحالة المرضية. وشهدت مواقع التواصل الإجتماعي على اختلافها الكثير من الصور ومقاطع الفيديو والنصوص التي أثارت موجه من الفكاهة بين المواطنين، والتي يرى فيها كثيرون أنها كانت سببا في “التخفيف من حدة الرعب والترقب بين الناس، كذلك الأطفال المتابعين لردود افعال ذويهم”. وكانت الأردن قد أعلنت خلال مؤتمر صحفي عن وجود حالة وحيدة ظهرت عليها أعراض الكورونا، وتم إجراء اللازم لها، وعمل فحوصات لكافة المحطين بها، للاطمئنان على الوضع الصحي لهم، ليتبين أنه لا يوجد أي حالة مرضية أخرى، وتقوم المؤسسات المسؤولة، بحسب تصريحاتها، بإجراء اللازم للحد من ظهور حالات أخرى.
سديل ناصر، التي كانت متوجهة إلى البيت عائدة من الجامعة، هاتفتها والدتها تطلب منها أن تحضر “مجموعة من الكمامات بسرعة”، وهذا زاد من حجم الخوف لديها وأصبحت تشعر وكأن المرض موجود بكل من حولها، كما تصف نفسها، وبدأت التصفح لقراءة المعلومات الصادرة عن الجهات المعنية حول حالة الكورونا الوحيدة في الأردن، كغيرها من الناس.
بيد أن سديل تؤكد أنها بعد أن وصلتها الكثير من الرسائل الأخرى من صديقاتها عبر “واتساب وفيسبوك”، تحول مزاجها بسرعة إلى حالة ضحك وفكاهة، وسارعت لتبادل تلك الرسائل مع عائلتها ومشاهدة مقاطع الفيديو المتعلقة بذلك، والتي سرعان ما خففت من حدة التوتر لديها وحاولت طمأنة والدتها بذلك، أو محاولة تغيير مزاجها العام ومتابعتها للأخبار المتتالية عن “كورونا”.
بيد أن زميلتها لينا، قالت إن جميع المحاولات لتعديل مزاج والدتها باءت بالفشل، على الرغم من اجتماع اسرتها “الممتدة” عند الوالدة، التي تعاني من أمراض مزمنة، وتعتقد أن المرض بات على مشارف البيت، على حد وصفها، كونها سمعت الكثير من الأخبار التي تؤكد أن أكثر الحالات المعرضة للخطر هي “من يعانون من أمراض تسبب في ضعف المناعة”.
غير أن لينا تعبر عن نفسها بأنها أصبحت أكثر هدوء واطمئنان بعد أن تبادلت تلك الرسائل “المضحكة” التي تُظهر الروح الفكاهية لدى “الشعب الأردني” والتي كانت سببا في تحويل سهرة الأسرة من حديث مرعب وتحذيرات أطلقتها والدتها وتدابير وقائية مشددة، إلى حديث واستعراض لتلك الرسائل الفكاهية التي تعبر عن واقع الحال وتنشر الضحك في الارجاء.
هذا بطبيعة الحال كان حال الأسر الأردنية خلال اليومين الماضيين، زخم كبير من النكت والمقاطع “المركبة والمدبلجة عن المرض” وتبعاته ووضع العالم الآن في التصدي له، كما في الفيديو الذي يظهر فيه أحد المواطنين يمسح وجهه بالمعقم بشكل مبالغ فيه ليرى أنها تلك الوسيلة الأفضل للوقاية دون الحاجة إلى الخوف. كما ظهرت رسائل أخرى لمقاطع فيديو تحولت فيها كلمات الأغاني إلى كلمات أخرى تحاكي الكورونا، وأخرى تمثل ردور أفعال آخرين تجاه اصدقاء لهم تظهر عليهم أعراض مرضية عابرة شبيهة بالكورونا، تثير الضحك في الكثير من الأحيان، كما في مقاطع أخرى تبين تهافت الناس على الصيدليات بشكل مبالغ وضحك الكثيرين منهم على واقع الحال، إلا أنهم مضطرون إلى تأمين عائلاتهم بالإجراءات الوقائية.
ومن المقاطع التي تبادلها الأردنيون بكثرة خلال اليومين الماضيين، كانت مقاطع تُظهر طرقا “مستحدثة” لتبادل التحية والسلام ما بين الناس، والتي كان فيها جزء كبير من روح الفكاهة والضحك، والتحذير من التلامس في ذات الوقت.
ولم تغب التصريحات الرسمية ما بين الفينة والأخرى من تحويلها إلى “نكات طريفة”، تستهدف في بعضها رفع معنوية الناس من جهه، وأخرى لتبيان حالة عدم الرضا عن الإجراءات الرسمية في مواجهة ظهور المرض وعدم جدوى طرق الحماية المتبعة والتي أدت إلى عبور حالة مرضية قادمة من دولة أصبحت إحدى الدول التي ينتشر بها مرض الكورونا المستحدث.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع يعتقد أن الحالة التي عاشها الاردنيون خلال ظهور المرض في العالم والدول العربية تحديداً، ساهمت في نشر التوعية والتثقيف بالمرض مُسبقاً، ولكن ما أن ظهرت الحالة في الأردن، سرعان ما زادت حالة الخوف والرعب لدى الناس، ولكن كان تلاشي الخوف أكثر سرعة من ذلك، وظهر ذلك جلياً من خلال نشر روح الفكاهه والضحك والتندر والتي عادةً ما تظهر بالمجتمعات كنوع من ردة فعل الناس للتخفيف من حدة الترقب وتوقع الأسوأ.
ويؤكد جريبيع إلى أن أغلب المجتمعات التي تعاني ظروفا مجتمعية صعبة أو غير مستقرة، أو كما يحدث الآن من ظهور الأمراض المعدية، قد يسبب نوعاً من البحث عن “متنفس لهم للخروج من الضغوط التي يعانونها”، وذلك من خلال إطلاق النكت والسخرية من واقع الحال، أو نشر المقاطع التمثيلية التي تعبر عن واقع الحال بقالب “كوميدي”.
كما يعتقد جريبيع أن التعرف المُسبق لطرق التعامل مع المرض، والتي اطلع عليها الأردنيون من الدول التي حدثت فيها إصابات قد تكون سببا في التخفيف من حدة التوتر لديهم، ليتحول هذا القلق والصدمة الأولى لظهور الحالة بعد ساعات إلى حالة اطمئنان، وخاصة مع خروج المريض عبر وسائل الإعلام والحديث بروح معنوية مرتفعة ساهمت بالتزامن مع اطمئنان الأردنيين بشكل عام، والتوجه من الخوف إلى الضحك لظهور حالة مجتمعية جديدة لديهم.
جريبيع يرى أن هذا الحال قد يعطي مؤشرا إيجابيا في المجتمع، ويقول “النكتة عندما تخرج من رحم الأزمات فهي تعبر عن روح معنوية إيجابية” إلا أنها تعبر أحياناً عن حالة من القلق والخوف، ولكن ما بين السطور في هذه الرسائل هو مؤشر لحالة من الارتياح في المجتمع وهي الآن متطلب وأمر مهم في الوقت الراهن، عدا عن أن هذه الحالة يمكن من خلالها محاربة الإشاعة بطريقة غير مباشرة “فالخوف هو بيئة خصبة للإشاعات والاطمئنان يقتلها”.
ويتفق اختصاصي علم النفس والتربية الدكتور موسى مطارنة مع جريبيع، من أن هذه الحالة تُمثل ردود افعال طبيعية في المجتمع الذي يعاني حالة مجتمعية طارئة، فكما أصاب الرعب والهلع الجميع، فإن التحول إلى التخفيف من هذا الحال من خلال الضحك والتندر وتبادل النكت هو أيضا حالة تصيب المجتمع بكل أطيافه كلا حسب طريقته. ويردف مطارنة بالقول إلى أن حالة الرعب والترقب هذه جاءت مصاحبة لحالة إعلامية كبيرة تحدثت عن الكورونا، وأصبح حديث العالم أجمع وليس فقط على المستوى المحلي، وعندما تم الإعلان عن أول حالة زادت حدة هذا الخوف المرافق للتحذيرات سواء من المؤسسات الرسمية أو الأسرة، كان سبباً كذلك في إحداث تأثير نفسي مباشر على المجتمع “الكبار قبل الصغار”.
كما يعتقد مطارنة أن ما يحصل من النكات والضحك هو محاولة للتنفيس وإشعار الذات بالطمأنينة، وخلق راحة نفسية لديها “مصطنعة”، على حد قوله، فعلى الرغم من وجود هذه الأجواء المرحة، إلا أن الخوف لم يغب وظهر جلياً من حالة التهافت على شراء المعقمات وغيرها، وكل ذلك نتيجة “الحملة الإعلامية وكثبرة التهويل بالمرض على الرغم من أن أغلب الأطباء أكدوا أن خطورته محدودة وتصيب الأعراض القوية فئة معينة ممن لا يملكون مناعة كافية تحميهم”.
ويشدد مطارنة على أهمية أن يكون هناك نشر لثقافة الهدوء النفسي بين الناس وبث ذلك في نفوس الأطفال، ليتشاركوا مع الأهل في حالة الضحك وأن هذه حالة ستمر مع مرور الوقت، ولا يوجد سبب لأن تفسد الحياة الأسرية والمجتمعية، ويجب أن يكون هناك “توازن أكثر وهدوء بوجود سُبل وقائية متاحه للجميع فالانتكاسات النفسية أخطر من المرض نفسه خاصة ممكن لديهم وسوسة”،

تغريد السعايدة

الغد

مقالات ذات صلة