رئيس لبنان: لا دولة ولا استقلال في لبنان

عصام نعمان

حرير- من جنوب لبنان تُختصر حكاية الدولة والسيادة.

نقول من أرض الجنوب إن لبنان تعب من اللادولة.

الاستقلال يبدأ بحضور الدولة وسيادتها وتحرير كل شبرٍ من أرض لبنان.

هذا الكلام ورد في خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون لمناسبة «عيد الاستقلال». كلام فصيح صريح يُزعج المنافقين ويُريح الصادقين من كل طائفة ودين. لماذا أطلق الرئيس عون هذا الكلام المترع بالحق والحقيقة، الذي لم يسبقه أحد ممن تعاقبوا على رئاسة الجمهورية إلى التفوّه بمثله مذ أُعلن «استقلال دولة لبنان» سنة 1943؟ لأنه ذهب بنفسه إلى الجنوب المحتل منتصفَ الأسبوع الماضي، ورأى بعينيه القرى التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسمع بأذنيه تأوهات السكان المهجّرين والمعذبين من الفقراء والمساكين، كما سمع أيضاً صرخات أهل الجنوب المصرّين على التمسك بالأرض والكرامة والدعم لرجال المقاومة، الذين بذلوا بسخاء الروح والجسد دفاعاً عن الأرض والعرض والكرامة والسيادة. «لبنان تعب من اللادولة»، حقيقة صارخة جهر بها رئيس لبنان، ولأن لا دولة في لبنان، فلا استقلال ولا سيادة، ولأن لا استقلال في لبنان فقد ألغى رئيس لبنان لأول مرة منذ 1943 العرض العسكري، الذي كان يقام في هذه المناسبة الخرافية.

إذا كان أهل السلطة يتجاهلون، أو ينكرون أن لا دولة ولا استقلال في لبنان، فإن أهل الصدق والوطنية الصافية والرؤية الثاقبة، جهروا بهذه الحقيقة، بشكلٍ أو بآخر، منذ وخلال ثمانين سنة خلت، جهر بها وبلا مواربة أنطون سعاده، كمال جنبلاط، عبد الله العلايلي، موريس الجميل، غريغوار حداد، جورج حاوي، جوزف مغيزل، موسى الصدر، سليم الحص وحسن نصر الله، سواء كان بعضهم في الحكم، أو جلّهم في المعارضة. ويجهر بها الآن ألوف المواطنين المستقلين، أو الأعضاء في الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية والنهضوية منذ سنة 1943، وما زالوا مصممين على الاستمرار. ثمة سبب آخر لحرص الرئيس عون (وقبله كثيرون من القياديين الوطنيين والنهضويين) على قول ما قاله هو، انزعاج أكثرية اللبنانيين من الحملة المنظمة على حزب الله، بما هو قائد المقاومة ضد العدو الصهيوني المحتل، ذلك أن أعداء المقاومة يتصايحون ليلاً ونهاراً مستعجلين تنفيذ قرار حصر السلاح، خصوصاً سلاح المقاومة، بيد الدولة، في وقتٍ يتمادى كيان الاحتلال في قضم المزيد من الأراضي اللبنانية، وتدمير القرى الحدودية وتهجير أهاليها، واصطياد المواطنين الأبرياء بالمسيّرات في شتى أنحاء البلاد للضغط على الحكومة بغية التعجيل في نزع سلاح المقاومة. ولعل الرئيس عون (وقبله قادة القوى الوطنية والنهضوية ) ساءه وأزعجه قيام الولايات المتحدة الأمريكية عبر كبار مسؤوليها وكل موفديها إلى لبنان بالضغط على أهل السلطة بغية الإسراع في نزع سلاح المقاومة، وما أن لمسوا من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، تريثاً في تنفيذ قرار حصرية السلاح بيد الدولة قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، حتى سارعت إلى إلغاء زيارته الرسمية المقررّة إلى واشنطن.

ألا يستحق كلام الرئيس عون الفصيح الصريح المباشر، تعليقاً من قادة القوى السياسية اللبنانية المحافظة؟ ما رأي كل من السادة: جبران باسيل، سامي الجميل، سمير جعجع، فؤاد مخزومي، وضاح الصادق؟ لقد تمادى المسؤولون الأمريكيون في سياسة الإملاءات التي يتبعونها، لدرجة لم يعد في وسع أصدقائهم، ناهيك من أعدائهم، في لبنان تحملها، ما أدى إلى انفجار سخطٍ جارف ضدهم بات يحاكي السخط والعداء الذي يكّنه اللبنانيون لكيان الاحتلال الإسرائيلي. قد يخفف البيت الأبيض من غلواء ضغوطه على المسؤولين اللبنانيين، متريثاً في تعجيله تنفيذ قرار سحب سلاح المقاومة، ومكتفياً بما تقوم به ربيبته إسرائيل من اعتداءات يومية في هذا السبيل، لكن ذلك لن يؤدي إلى حمل المسؤولين اللبنانيين على تجاهل موقف غالبيتهم المعادية لإسرائيل وحلفائها، والإقدام على نزع سلاح المقاومة بالقوة لأن ذلك سيؤدي ـ كما شدّد على ذلك الرئيس عون ـ إلى التسبب باندلاع حرب أهلية. ربما تفادياً لهذه النهاية المأساوية سارع الرئيس ترامب إلى دعوة الرئيس عون إلى البيت الابيض للبحث في مخرج من هذا المأزق.

بات واضحاً أن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، تضع لبنان مسؤولينَ ومواطنينَ أمام خيارين كلاهما مرّ: حرب إسرائيلية أو حرب أهلية. أنا لا أبالغ عندما أجزم بأن غالبية اللبنانيين تفضّل خيار محاربة إسرائيل على خيار محاربة الشركاء في الوطن والمصير، أياً تكن نتيجة الصراع. ثم، من يستطيع الجزم بين حلفاء إسرائيل وأصدقائها، بأنها لن تتراجع عن اعتداءاتها، على الرغم من مخاوفها من أن تقوم المقاومة وحلفاؤها بالردّ عليها ومفاجأتها بصواريخ متطورة بعيدة المدى تجعلها تندم على التمادي في عدوانها المكلف لها كثيراً؟

مقالات ذات صلة