حرّاس الحياة.. أحمد حسن الزعبي

الحارس عين الوقت ومقبض الباب ، هو آخر من يدخل المكان ،وأقل من يستمتع بمرافقه ، نمرّ عليه مرور الكرام ، لكننا لا نعرف أنه مفتاح الجنّة إن أراد ،ومرجل جهنّم ان غاب..

شهداؤنا حرّاس حياتنا ، لم يتذوّقوا حلاوة العيش مثلنا ، وأقل من استمتعوا بمرافق الدنيا، ينزفون لنبتسم ، يموتون لنعيش، تتنمّل أرجلهم وقوفاً في الساحات كي ننعم بسهرة طربية مشغولة بالفرح، يتعرّقون تحت سطوة الشمس ونتأفف إن فتحنا لهم نافذة المركبة وتناقص التبريد قليلاً أثناء التدقيق الروتيني ،نمرّ عليهم مرور الكرام ،لكننا لا نعرف أنهم عين الوقت ومقبض الوطن ، وجودهم مفتاح الجنة ،وغيابهم مرجل النار..

حرّاس الحياة..عندما لبّوا الواجب، يعرفون ان نقب الدبّور لا يطعم عسلاً ،لذا لم يلمسوا قماش الرفاه بأصابعهم..ولم يرتدوا الماركات العالمية ، ولم يدخلوا المطاعم الفاخرة ، ولم يسافروا على درجات رجال الأعمال ، ولم يستقبلوا نجوم العرب في بيوتهم ، ولم يمدّوا أيدهم على قرش الحرام ، حرّاس الحياة في جدول أعمالهم “وطن” وسجّادة صلاة..

**
أعرف أن العيد على الباب وحارسه في غياب..كان “الشهيد” يخطط فور استلام الراتب أن يطلب من الصرّاف ان يستبدل الخمسين إلى “خمسات” و”عشرات”..هي أسهل للصرف ، منها سيشتري “طقما” لآخر العنقود ، ومنها سيوزع عيديات للبنات ، ولأمّه ست الحبايب “20” كاملة..أما بقية الأولاد “فسيسلّكون” فرحتهم بثياب العيد الماضي، لا مسافة زمنية بين العيدين يحاول أن يقنع نفسه كي لا يشعر بالذنب..طيب لو اشتريت لهم مثل آخر العنقود واستدنت القليل ما الذي يضرّ؟؟..لا ،تذكّر أنت من حرّاس الفرح ولست من روّاده..قلت لك ان ثياب العيد الماضي تكفي وتزيد..هؤلاء أطفال لا يعرفون معنى الثياب..نغسلها نكويها نُعطّرها تصبح وكأنها جديدة..نشتري نظارة شمسية مع القميص والبنطلون هكذا يصبح للعيد حلّه..كان هذا حديث النفس عندما مضى الثلث الأول من شهر آب..لكن الأحلام الصغيرة التي كانت تطوف بالجرح العتيق يوم “الغفارة” ، طارت وحلقت في فردوس الأرواح مثل فراش الربيع..وبقي “طقم” العيد معلق “بالبترينة” وكشف الراتب في يد الصرّاف..والنظارة الشمسية معلقة في حبل الألعاب الرخيصة..وتكبيرات العيد السبعة تقلَصت إلى أربع تكبيرات فوق الجسد المسجّى ..و”الفوتيك الأزرق” الملطّخ بالدم..مغلّف شهادة جاء به بريد السماء..ممهور بأختام البطولة..
لكل الشهداء الذين لم يفاضلوا بين الحياة وبين الوطن..لم يتهربوا و لم يهربوا ولم يتمارضوا ولم يستخرجوا “معلولية” مزورة ..بل قدّموا انفسهم على جناج الشهادة بكامل قيافتهم وأردنيتهم وبسالتهم..
انتم الأردن الحقيقي ..انتم حرّاس الحياة.

مقالات ذات صلة