“صرصعة”

“صرصعة”

أحمد حسن الزعبي

كنا إذا ما سمعنا صوت “المجرود” قد ارتطم بأحد الأبواب ،تبعه بلحظات صراخ أحد الأولاد، نعرف أن المدير الجديد قد أصابته حالة الهياج المعتادة، بعض المعلّمين كان يرتبك وتسقط الطبشورة من يده خوفاً،والبعض يغلق الباب ويجلس في المقعد الأخير،وفريق ثالث يأخذ إجازة مرضية حتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً..
ذات مرّة سمعنا صوت إبريق الشاي يتدحرج على الدرج وغطاء الإبريق وصل سارية العلم ، فيما بعد عرفنا أن المدير قد غضب من الآذن بعد أن نسي الأخير إضافة السّكر على “شاي الإدارة”..كانت تعيش المدرسة كلها في “صرصعة” حقيقة إذا ما انتقل مدير حاد المزاج غريب الطباع سريع الانفعال ،مثلاً على حين غرّة “يدفش”الباب برجله ليبحث عن مسّاحة لوح أو مقعد زائد يريد أن يعطيه لأحد الصفوف ، الغريب أن احداً من المعّلمين لا يستطيع أن يحتج على الأسلوب الفجّ، اما الطلاّب فهم في الغالب يعيشون شعوراً متضارباً ،منهم من يفرح لقدوم المدير العصبي علّه ينتقم لهم – ولو من باب تضارب المصالح – من معلّمهم المستبّد الظالم ،ومنهم من يشعر بالخوف لأن ما سيطول المعلمين سيطول الطلاب بالضرورة من سحب “الزنانير” وحرب “الطباشير” و”مصع الكستك” من اليد هذه الحركة التي كانت ترافق كل شجار بالأيدي..
العالم تحوّل هذه الأيام إلى مدرسة ابتدائية ، ترامب مدير جديد،والزعماء العرب معلّمون مرتبكون ،والشعوب مجرّد طلاب على مقاعد التأديب بانتظار ما ستؤول إليه علاقة المدير مع مربي الصف الخاص بهم ؛ إذا انسجما بقي الطلاب في مقاعدهم برغم القمع والاستبداد والعلاقة المشحونة الا إنهم كسبوا “النظام”، واذا ساءت العلاقة بين المدير ومربّي الصف وحدث شجار ونقل تأديبي ، قاموا عن مقاعدهم كسبوا حريتهم وخلاصهم من معذبهم وقامعهم لكنهم ربحوا “فوضى” لا تنتهي ومصير مجهول..
الشخصيات السياسية والتنظيمات والأحزاب الكبيرة هي مثل “الآذن” في المدرسة ، لا تحظى يمحبّة المدير ،ولا تستطيع إشغال “الحصّة” في غياب المعلّم…المسألة برمّتها معقّدة ،ولا أعتقد أن اعتى المحللين السياسيين يستطيع أن يتنبأ بشكل العلاقات بين ترامب وجميع السياسيين العرب.. فهذا الرجل ان مشيت في محيطه يعاديك ،واذا مشيت عكس تفكيرك يعاديك، اذا دفعت له يذمّك، وإذا امتنعت عن الجزية يذمّك…لا تستطيع أن تجد سبيلاً لــ”مكافاة شرّه”…
لو كنت محل الزعماء العرب ..بطلع تقاعد مبكّر.

احمد حسن الزعبي

مقالات ذات صلة